كتبنا في (الرسالة) قبل عام كامل على التقريب مقالاً عن الحكيم الحاكم (مازاريك) رئيس الجمهورية في بلاد التشك والسلواق ختمناه بما يأتي:
(سيرة الرجل عبرة لا تنقضي ودروس لا تنفذ. أولها: أن الفيلسوف لن يسلم من لوثة الحكم والسياسة ولو أضمر الخير وأسلف الجهاد الطويل في قضايا المظالم والشكايا. وثانيهما: أن الديمقراطية لا تسلم في وطن تختلف أجناسه ولغاته وأديانه وطبقات الحضارة فيه إلا على أساس الولايات المتحدة التي يستقل فيها كل فريق بالحكم والتشريع. وثالثها: أن أوربا الوسطى لا تزال كما كانت قبل الحرب العظمى غيلا تصطرع فيه ضواري الأحقاد ويوشك أن يندفع بالعالم مرة أخرى إلى حرب لا تؤمن لها عاقبة. وإننا على ما انتاب الديمقراطية من خيبة، وما تعاورها من نقص وتقويض لا تزال على إيمان وثيق بأنها هي كهف السلام ومعقل بني الإنسان، ومآل الحكم في المستقبل البعيد إن لم يعجل لها النصر في مستقبل قريب
(فالدول الديمقراطية لا تبغي الحرب كما تبغيها الدول الدكتاتورية؛ وبريطانيا العظمى، وفرنسا، والولايات المتحدة، لا يخشى منها على سلام العالم كما يخشى من إيطاليا، وألمانيا، واليابان والجمهوريات الروسية)
كتبنا هذا المقال على أثر وفاة مازاريك، ودار العام والحوادث تثبت لنا أن كثيراً من المسائل الأوربية خليق أن ننظر إليه كأنها مسائل (محلية) نكترث لها في أوانها وقبل أوانها لنصبح على أهبة دائمة للقائها، ثم نثبت لنا الحوادث أن الجمهورية التشكية لو بادرت إلى تعميم نظام الولايات المتحدة بين شعوبها الصغيرة لكان ذلك خيراً لها، وإن كنا لا نظن أن أسباب الأزمة الدولية الأخيرة تنحصر في هذه الوجهة، لتعدد وجهات المسائل الدولية عامة
ولا أدري لم نشعر بالعطف على بلاد الفيلسوف مازاريك ونود لها الحياة والسلامة؟ فلعل السبب الأول أنها هي بلاد الفيلسوف مازاريك وأنها (تشخصت) في مثال إنساني رفيع محمود العمل والأثر معروف في عالم الأدب والحكمة معرفة الناس به في عالم السياسة