كان يعيش في أيام الملك لويس مشعبذ فقير من كومبين يقال له برنابا، وكان لا يني يذرع أقطار الأرض ليعرض على الناس ألعابه الخارقة التي كان يبهرهم بها في خفة وحذق وبيد صناع. وكان ينتهز أيام الصحو فينتحي ناحية في الميادين العامة، ثم يفرش على الأرض قطعة من بساط خلق لم يكن يفارقه أينما سار. . . وبكلمات يقولها، وإشارات وحركات علمه إياها مشعبذ أكبر منه سناً يجتمع حوله أطفال وغلمان ومتسكعون، ثم يسوق الفضول غيرهم فيكون في حلقة من الناس من كل صنف يستهويهم بشعبذاته، ويثير عجبهم بالبراعة الفائقة التي يقف بها سكرجة من صفيح مطلي على أرنبة أنفه، وهو مع ذاك يميل ويميد ويتخلج. . . فإذا فرغ من هذا انقلب في الهواء فوقف على رأسه ويديه، ثم راح يرسل في الهواء كرات ستاً صغيرة من نحاس أحمر لامع، فيتلقاها بقدميه العاريتين في مهارة خارقة، بحيث لا تسقط منها واحدة حتى يستوي؛ وكان الناس يختلفون في أمر هذا المشعبذ، ولكنهم سرعان ما يتفقون على أنه ألعبان داهية حين يتقوس ويتقوس، حتى يعمل بجسمه المنقلب عجلة من لحم، ثم يرسل في الهواء اثنتي عشرة سكيناً مزهفة فيظل يتلقفها بيديه في سرعة تخطف البصر وتطلق أيدي النظارة بالتصفيق، وحناجرهم بالهتاف الطويل، ثم يمطرون بساطه الخلق بالدوانق والدريهمات
ولم يكن برنابا مع ذاك بدعاً من الناس، فلقد كان واحداً من هذه الآلاف المؤلفة التي تكتسب الكفاف من العيش بعرق جبينها، وكان يشقى كما يشقى إخوانه البائسون في كل زمان وفي كل مكان، بل لقد كان نصيبه من شقوة الحياة، ومضض العيش، والأوزار التي كتب في الأزل أن تنقض ظهور الناس جيلاً عن جيل عن أبيهم آدم، كبيراً مضاعفاً. . .
ولم يكن يستطيع أن يصل عمله الشاق المضني في كل وقت، فهو واحد من مئين من الأحياء التي يعج بها العالم، ويزخر بها وجه الأرض، والتي تحتاج إلى حرارة الشمس،