للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[مات الرجل العظيم]

محمد إقبال

للدكتور عبد الوهاب عزام

- ١ -

في اليوم الحادي والعشرين من أبريل الماضي والساعة خمس من الصباح، في مدينة لاهور مات رجل كان على هذه الأرض عالماً روحياً يحاول أن ينشئ الناس نشأة أخرى، ويسن لهم في الحياة سنة جديدة؛ وسكن فكر جوال جمع ما شاءت له قدرته من معارف الشرق والغرب، ثم نقدها غير مستأسر لما يؤثر من مذاهب الفلاسفة، ولا مستكين لما يروى أقوال العظماء؛ ووقف قلب كبير كان يحاول أن يصوغ الأمة الإسلامية من كل ما وعي التاريخ من مآثر الأبطالوأعمال العظماء؛ وقرَّن نفس حرة لا يحدها زمان ولا مكان، ولا يأسرها ماض ولا حاضر، فهي طليقة بين الأزل والأبد، خفاقة في ملكوت الله الذي لا يحد.

مات محمد إقبال الفيلسوف الشاعر الذي وهب عقله وقلبه للمسلمين وللبشر جميعاً. الرجل الذي كان يخيل إلي وأنا في نشوة من شعره أنه أعظم من أن يموت، وأكبر من أن يناله حتى هذا الفناء الجثماني.

فاضت روح الرجل الكبير المحبوب في داره بلاهور ورأسه في حجر خادمه القديم الوفي (الاهي بخش) وهو يقول: إني لا أرهب الموت. أنا مسلم أستقبل المنية راضياً مسروراً.

كنت أقرأ كلام إقبال في الحياة والموت، ورأى استهانته بالحمام، واستهزاءه بالذين يرهبونه. وما كان هذا خدعة الخيال، ولا زخرف الشعر فقد صدق إقبال دعوته في نفسه حين لقي الموت باسما راضياً.

جد المرض بإقبال منذ سنة، وكان يقترب إلى الموت وهو متقد الفكر، قوي القلب، يصوغ عقله كلماتٍ يوقظ بها النفوس النائمة، وينثر قلبه شراراً يشعل به القلوب الهامدة. وكان يعنى بنظم كتابه (آهنكَ حجاز): لحن الحجاز. وكان قلب الشاعر يهفو إلى الحجاز وقد تمنى في خاتمة كتابه (رموز بي خودى) أن يموت في الحجاز. ومما نظمه في أشهره

<<  <  ج:
ص:  >  >>