لا يعنيني الحديث عن سد أسوان، إلا بقدر اتصاله من قريب، ببلاد النوبة. وإذا كان هذا السد العظيم، قد لعب دوراً هاماً في حياة القطر الزراعية، فزاد القدر المنزرع إلى أضعاف أضعافه، وإنعاش الحياة التجارية، والاقتصادية، وزيادة الثروات المصرية إلى حد التضخم في كثير من النواحي، حتى أصبح هذا السد بحق مفخرة من مفاخر بلادنا المصرية، له شهرة عالمية طائرة، وصيت دولي ذائع - إذا كان قد لعب دوراً آخر في حياة بلاد النوبة، إحدى مناطق قطرنا العزيز، ولكنه مع الأسف دور عكسي على طول الخط، وامتداد الطريق.!!
وبيان ذلك، أن منطقة النوبة لم تكن تعرف قبل سنة ثمان وتسعين وثمانمائة وألف شيئاً عن هذا السد، وإن كانت بعض الأفكار قد اتجهت إلى الانتفاع بهذا الشلال الطبيعي قرب أسوان، وبخاصة وأن مياه الفيضان تتدفق في موعدها من صيف كل عام، حاملة الغرين، والطمي الذي يكسب الأرض خصباً، والزرع نماء ونضرة، ويفيض بالخير والبركات في أنحاء البلاد المصرية. . .
ونما هذا الشعور، وكبر ذلك الإحساس، فرئى أن ضياع مياه النيل في البحر البيض المتوسط عبث لا طائل تحته، ولا غاية ترجى منه، وأن في الإمكان لإفادة من هذه المياه طوال أيام السنة وبخاصة وقد أصبحت البلاد تزرع القطن من أيام محمد علي باشا، وغيره من المحصولات التي تتطلب رياً دائماً. . .
وولدت الفكرة، فكرة إقامة خزان قرب أسوان، على الشلال الأول، وبدأ العاملون يبحثونها سنة أربع وتسعين وثمانمائة وألف، وكللت بالنجاح، وتم بناء السد سنة ثنتين وتسعمائة وألف، بطول قدره خمسون وتسعمائة وألف متر، وبه ثمانون ومائة فتحة.
وقد لحق الأهليين بعض الأضرار بسبب إقامة السد لأن منطقة النوبة، ارتفعت في المياه فأتلفت الأراضي المنخفضة، وأغرقت المنازل التي على الشاطئ مباشرة، فعوضتهم الحكومة عن هذا كله، وبلغت تكاليف إقامة السد، بما في ذلك التعويضات التي أعفيت