هذا ما ظللت اسأل المرآة عنه أياماً بعد أن وقع لي ما سأقصه اليوم، والمرآة لا تجيب، وان كنت لا أظن عليها بالإلحاح وطول التحديق، أو لعلها أجابت وأبيت أنا أن اسمع أو اصدق. وقد كففت عن مشاورة المرايا وأسلمت أمري إلى الله وأمر وجهي إلى حسن أدب الذين يرونه وصحيح أني كنت - وما زلت أحياناً - احلق ذقني بيدي، لأني كنت في عنفوان الاضطرام السياسي أخاف أن يوقعني سوء الحظ في يد حلاق سياسي لا يشايعني على رأيي، فيذبحني ويروح يدعي أن قتلي كان خطأ لا عن عمد وسبق إصرار، ولكني بلوت من متاعب الحلاقة ما زهدني فيها فرددت نفسي على مكروهها ولم اعد أبالي ما عسى أن يصنع برقبتي الحلاقون السياسيون. وللذبح أهون من تهمة الجنون. أي نعم فقد شرعت مرة احلق ذقني ولكن حد الموسى كان كليلاً جداً، فجعلت احك به واكحت حتى صار وجهي - أو خدي - الأصفر كالطماطم الناضج ولم اعد احتمل هذا الألم، وفرغ ما في صدري من الهواء من طول النفخ ومن كثرة قولي (اووفففف) فطويت الموسى وقلت أن هذا سلخ لا حلاقة ولست بشاة ثم أني ما زلت حياً ولم اصنع قبيحاً استحق عليه أن اسلخ وجهي بيدي
وارتديت ثيابي ووضعت منديلاً على جانب وجهي الذي سلخته وخرجت التمس دكان حلاق - اقرب دكان - وسرت على بركة الله وفي أملي أن يظن من يراني أن أضراسي توجعني. واهتديت إلى دكان على كثب من البيت، ولكن الحلاق كان مشغولاً فقعدت انتظر وكفي على المنديل فوق خدي وفرغ الحلاق فدعاني فأسرعت إلى الكرسي ورفعت المنديل عن وجهي، وجاء بالفوطة ولف طرفها على عنقي ثم ارتد بغتة ووقف يتأملني وقد قطب وذوى ما بين عينيه فقلت: