ليت الذين ينتصرون لعامية المسرح يشهدون رواية (تاج المرأة) في
دار الأوبرا الملكية فيروا كيف تتسلسل العربية البليغة على أفواه
الممثلين تسلسل الذهب، وترن في أسماع المشاهدين رنين الفضة،
وتؤدي معاني الكاتب الفرنسي النابغ أداء صادقا قويا لا تضيع فيه
لمحات النظر، ولا لفتات الذهن، ولا براعة الحوار، ولا حلاوة النكتة.
لقد كان تمثيل هذه الرواية نصرا عظيما للغة العربية وللفرقة القومية في وقت واحد: كان نصرا للغة العربية لأنها استطاعت بدقة الترجمة وقوة التمثيل أن تبرهن لخصومها على أنها اللغة الطبيعية للمجتمع الحديث والمسرح المهذب. وهل تكون الطبعية شيئا آخر غير هذا الانسجام العجيب بين الحركات والكلمات، وبين المواقف والعواطف، وبين التمثيل والواقع؟
كانت اللغة لسلاستها ومرونتها أداة جيدة التوصيل بين المؤلف والمترجم، وبين المترجم والممثل، وبين الممثل والجمهور؛ فالممثلون مندمجون في أدوارهم لا يحسون نبوا في العبارة ولا حرجا في الأداء، والمشاهدون مأخوذون بسحر التمثيل وجاذبية الرواية لا يشعرون بوجود مستقل عن هذا الوجود الذي خلقه في الفرنسية اسكندر دوماس، وصوره في العربية الأستاذ كامل البهنساوي!
ثم كان نصرا للفرقة القومية لأنها أقامت الدليل العملي على أن في مقدورها أن تؤدي رسالة الفن على وجهها الصحيح إذا تهيأت لها الإدارة الرشيدة والتوجيه المصيب، فقد كان الأداء خاليا من الشقشقة الخطابية، والتمثيل بريئا من البهلوانية المسرحية، وهما البليتان اللتان باعدتا من قبل بين اللغة والطبع وبين المسرح والحياة.
فإلى المترجم الفاضل التهنئة الصادقة على جمال الترجمة وحسن الاختيار، وللأستاذين والأستاذات: سراج منير، وجورج أبيض، وفاخر فاخر، وإحسان شريف، وأمينة رزق، وروحية خالد، الثناء الحق على روعة التمثيل وطبيعة الحوار.