للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[تحليل نفسي]

الأفعال المفقودة أو الفلتات

للدكتور عبد الفتاح سلامة

إذا كانت الأمثلة السائرة والقصص المتداولة بين الجمهور تدل على شيء، فإنما يكون ذلك لأنها نتيجة لتجارب كثيرة، لمس كل فرد حقيقتها، وعرف مقدار الحكمة فيها ويمكن له الاستفادة منها بتطبيقها على ما قد يصادفه من حوادث. وقد تكون القصة الآتية واحدة من هذه القصص، وإنا لنذكرها هنا لأنها تحتوي على فعل مفقود أو فلتة. وإذا عرفنا أن راوي هذه القصة هو أحد رجال البوليس فان من السهل معرفة إلى أي حد يمكن للبوليس والقضاء الاستفادة من هذه الفلتات.

قال صديقنا - والعهدة على الراوي - إن اثنين كانا يسيران في جهة بعيدة عن العمران فأراد أحدهما اغتيال الآخر، وبعد أن استعطفه دون جدوى قال له: وهل تظن أنك ناج من القصاص؟ فأجابه: ولمَ لا؟ فقال المسكين: (الهوا يخبر). ولكنه قتله ووارى جثته التراب ورجع وحده إلى بلدته؛ ولم يهتد أحد إلى مقر القتيل المسكين. مضى على ذلك وقت غير قصير، واطمأن القاتل إلى النجاة. وفي ذات ليلة قمرية جميلة جلس القاتل وزوجه يتبادلان الحديث - والحديث ذو شجون - وتوالت الأفكار على رأسه، وإذا به يبتسم في غير موضع للابتسام، وإذا بزوجه تصر على معرفة سبب الابتسام، فيقول لها إنه تذكر كلمة قالها رجل معتوه أثناء قتله، وهذه الكلمة هي (الهوا يخَبّرْ). فلا تزال هي به حتى يعترف لها بكل شيء يتعلق بالجريمة وبمكان الجثة. فالابتسام إذن هو الفلتة التي كشفت سراً كان يحرص على كتمانه؛ وهي التي حققت المثل القائل: (مهما تبطن، تظهره الأيام). ولا حاجة بنا إلى القول بأن فلتات مشابهة لهذه قد اضطرت الزوجة إلى الاعتراف إلى صديقة لها، وهكذا شاع الأمر وأمكن إدانة القاتل. ولعلنا نكون قد توصلنا بإيراد هذه القصة إلى إيضاح ما نقصد من كلمة (فلتات، أو أفعال مفقودة)، إذ أننا بعد أن تكلمنا عن تأثير الإيحاء في بعض الأمراض العصبية وكذلك في بعض الأمراض الأخرى، نود أن نتكلم عن التحليل النفسي، لأنه هو الوسيلة الوحيدة للكشف عن المشادة اللاشعورية، وهي التي تحدث بين ذلك الشيطان - اللاشعور - والنفس.

<<  <  ج:
ص:  >  >>