روعت الأمة العربية ليلة الخميس حادي عشر ربيع الأول بنعي علم من أعلام لغة العرب، وأديب نابغ من أدبائها، وكتاب مبدع من كتابها. فجعت أمة العرب في ابن بار منحها قلبه ولسانه وقلمه عشرات السنين؛ فما حل بها خطب، أو حز بها أمر إلا تصدى له ينصر امته، ويرمى عدوها بنيران من الكلم، يرمى بها عن قلبه ولسانه وقلمه. وما اتهم العرب متهم، أو ازدرى تاريخهم مزدر، أو تجنى على نعتهم متجن إلا انبرى يشيد بالعرب وتاريخ العرب ولغة العرب دفاع ذي الحفاظ الحر العارف الثبت وما كتب كاتب فجار عن القصد في كلمة من العربية أو قاعدة من قواعدها أو أخطأ في رواية من الشعر أو النثر إلا سارع يرده إلى الصواب، ويقيمه على المنهاج وهو في كل هذا لا يدعي ولا يزهي ولا يجور ولا يفخر بل كثيرا ما كان يخفى نفسه بأسماء يستعيرها وإن دل عليه أسلوبه، ونادت عليه طريقته.
وما ضم نديه جماعة من الأدباء - وما كان اشد حرصه على لقاء الأدباء - إلا أفاض في حديثه ودل على تمكنه في الأدب وسعة روايته، وقل أن ينصرف جليسه إلا بجديد يستفيده في اللغة والأدب.
ما احسب القارئ إلا قد أيقن إني عنيت مدرة العربية، الذائد عنها والمجاهد لها محمد إسعاف النشابيبي رحمه الله رحمه واسعة.
فمن شاء فليقرأ كلمته عن اللغة العربية التي نشرها قبل عشرين عاما، ومن شاء فليقرا كلمته عن شاعرنا شوقي وكلمته عن المعري، وخطته عن صلاح الدين في ذكرى موقعة حطين. ومن شاء فليقرأ رثاءه لإبراهيم هنانو ولعبد المحسن السعدون، ومن شاء فليقرا غير هذه من أثاره ليعرف أي قلب كبير فجع به العرب، وأي قلم فياض صوال حرمته العرب. وأي مدد فقدته الأمة العربية وهي في حومة الوغى. وما عهد القراء بعيد بهذه النقل التي والى نشرها في مجلة الرسالة منذ سنين فعرف بطرف من تاريخنا، ونوادر من أدبنا، وغرائب من سيرنا فملا ثارت الثائرة في فلسطين رأينا نقله في آيات الجهاد وأخبار