حفلت البلاد الإسلامية منذ انبثق فجر الإسلام بدور العلم ومعاهد العرفان في وقت كانت ظلمات الجهل تجثم فيه فوق ربوع العالم العربي، ومع أن هذه الدرر كانت تقسم بطابع خاص هو الطابع الإسلامي فإنها كانت تتوسم في نظامها واتجاهاتها الحرص على توفير أسباب الطمأنينة في نفوس طلاب العلم وتوثيق الصلة بينهم وبين أساتذتهم وإشاعة تلك الروح الجامعية التي يجب توافرها في معاهد العلم العليا مثل ما يشاهده المرءالآن في أعرق الجامعات العربية.
ويلوح أنه لم يكن ثمة مناص من أن تغدوا المساجد والجوامع مقر لنشر المعرفة كما كانت وما زالت مصدرا لبث الهداية والرشد في نفوس الناس في الوقت ذاته. ولم يكن هناك تعارض في اضطلاعها بالمهتمين؛ فإن الدين الإسلامي الذي يأمر بالتسامح والمساواة يحث على طلب المعرفة ولو اقتضى الأمر الاغتراب في مشارق الأرض ومغاربها ما كان ليجد خيرا من المساجد بجوها القدسي لغرس العلم والمعرفة في نفوس المسلمين، بل إن اختيار المساجد لهذا الغرض يحمل في طياته الإقرار بقداسة العلم ووجوب تطهيره من حمأة الأغراض الدنيوية والبعد به عن كل جو ينحرف به عن قدسيته.
وقد ظهر في الإسلام معاهد علمية عظيمة القدر رفيعة الاسم. وكان الحكام يتنافسون في إنشائها، فأنشئ الأزهر في عام ٣٦١هـ (٩٧١م) وأنشئت الكلية النظامية في عام ٤٥٩هـ (١٠٦٦م) وأنشئت الصالحية في القدس عام ٥٨٣هـ (١١٨٧م) وكان الغرض من إنشاء هذه المعاهد هي وغيرها بادئ الأمر - وباستثناء المستنصرية - هو تدريس المذاهب الدينية والدعوة لها، فأنشئ الأزهر لتدعيم المذهب الشيعي في مصر بعد فتحها على يد الفاطميين.
وأنشئت النظامية هي والصالحية لدعم المذهب الشافعي بينما أنشئت المستنصرية لتدريس المذاهب الأربعة وكان بها كلية لتدريس الطب وأخرى لتدريس الرياضيات واللغات. وقد اختفت هذه المعاهد العظيمة واندثرت وعفا عليها الدهر فيما عدا الأزهر الذي ظل راسخا