العقل الباطن سر من أسرار النفس المغلقة التي يصعب الوصول إليها وإماطة اللثام عنها، وكان الأطباء يلجئون إلى التنويم المغناطيسي في أول الأمر لشفاء داء الهستيريا، كما أشرنا إلى ذلك من قبل، ولكن (فرويد) أبى الأخذ بهذه الطريقة وقرر ثلاث وسائل يستطاع بها معرفة دخائل العقل الباطن. فإما بانتزاع السر عنوة وقوة كما كان يفعل رجال التحقيق في القرون الغابرة، وإما بتقريب الأدلة وحل ألغاز العواطف المكبوتة وتحليل بعض الظواهر، وإما بالانتظار والصبر حتى تطرأ على المريض حالة ضعف عرضية فيبوح بسره
عندما ابتدأ فرويد اختباراته اكتشف ظاهرة لم ينتبه إليها أحد من قبله، وهي ما أسماه (الأفعال الفائتة). ذلك أن الإنسان كثيراً ما يخطئ التعبير فيقول كلمة وهو يريد ضدها، أو يدلي بأمر وهو يقصد عكسه، وكان العلماء الأقدمون، كما كانت عامة الناس، يعزون هذه الأخطاء للغفلة أو الالتباس أو قلة الانتباه. أما (فرويد) فقد رأى أن الغفلة أو الالتباس معناهما أن أفكار الإنسان ليست حيث يريدها أن تكون. ففي (الفعل الفائت) فعل قام مقام آخر، وهذا الأخير هو الذي كان المراد إتيانه. قد تدخل إذن فجأة بين الإنسان وعمله عنصر ثالث حال دون القيام به وفقاً لإرادته. فإذا عرفنا أن لكل حادث نفسي معنى مقصوداً كما أن لكل فعل فاعلاً، وأن العقل الواعي ليس العامل الصحيح في (الفعل الفائت) لأن العقل الباطن طغى عليه فيه، قدّرنا أن الفعل الفائت ليس نتيجة غفلة أو التباس ولكنه دليل على ظهور عاطفة مكبوتة، والخطأ في الحديث يدل على صميم فكرنا بينما تصحيحه لا يدل إلا على ما يقصده إليه وعينا
وهكذا نستطيع أن نقرر أولاً: أن كل فعل فائت وكل عمل يظهر أنه نتيجة خطأ إنما يعبران عن إرادة خفية، وثانياً: أنه يوجد في المنطقة الواعية مقاومة فعالة لمظاهر العقل