وقد اندفع (فرويد) في التحليل بعد تقرير هذه المظاهرة ليفسر ظواهر وأعراضاً أخرى كان يظن أنها ضرب من المحال حتى انتهى إلى أشدها إمعاناً في المحال وهي الأحلام
كان الأقدمون يعتقدون في إيمانهم الخرافي أن الأحلام ضرب من وحي الآلهة، فاستحدثوا في أوائل عهد الإنسانية علم تفسير الأحلام، وشاع في هياكل مصر وبلاد اليونان والرومان وفلسطين. ثم زال هذا الاعتقاد وصارت الأحلام أضغاثاً لا معنى لها ولا قصد، وصار ينظر إليها كسديم، أو كشيء لا قيمة له، أو أنها ذبذبة متأخرة خرساء توقع على أوتار الجهاز العصبي، أو أنها نتيجة عدم انتظام الحركة الدموية واندفاع الدم إلى الدماغ
ولكن (فرويد) رأى غير ذلك، فنظر إلى الأحلام نظرة وضعية، وقرر أنها الوسيط بين عواطفنا المكبوتة والعواطف الخاضعة للفكر، وقال إن الحلم ليس كله محالاً، ولكن لكل واحد معناه الخاص به من حيث هو فعل نفسي كامل
صحيح أن الأحلام لا تعبر باللسان الذي تعودنا النطق به في ساعات اليقظة، لأنها لغتها لغة أعماق الطبيعة غير الواعية؛ لذلك لا نستطيع أن نفهم فهماً مباشراً معناها ورسالتها، ويجب أن نتعلم وسائل تفسيرها، ولغة الأحلام تعبر بوسائل الصور كما كانت تكتب اللغات القديمة
رمى (فرويد) من تفسير الأحلام إلى قصد جديد. كان الأقدمون يحاولون بواسطة هذا التفسير الكشف عن المستقبل، أما فرويد فقد أراد الكشف عن الماضي النفسي وأسرار الإنسان العميقة، لأن (الذات) في الحلم مثلنا شكلا في حالة اليقظة، ولكنها تختلف عنا من حيث انعدام الزمان، فهي في ساعات الحلم يستوي لديها الماضي والحاضر، أي أنه يجتمع في الحلم الطفل والمراهق ورجل الأمس ورجل اليوم مما تتألف منه (الذات) الكاملة
كل حياة مزدوجة إذن، ففي الأعماق غير الواعية تتألف المجموعة الصحيحة من الأمس الدابر إلى اليوم الحاضر، ومن الرجل الأولي إلى الرجل المتحضر، بينما تطفو على السطح الحياة المستنيرة والذات الواعية القائمة في الزمان
تلتقي هاتان الحياتان في حرية كاملة في عالم الأحلام الذي يعبر تماماً عن أدق عناصر حياتنا، بحيث لا يستطاع معرفة مجموعة حياتنا الزمنية التي تتألف منها شخصيتنا، ولا