ولنتساءل الآن: ما هي الظروف التي أحاطت بمفاوضات المعاهدة السورية الفرنسية؟
ليست البلاد السورية بلاداً منعزلة في محيط بعيد، ولكنها على النقيض من ذلك تقع في قلب العالم وتخضع لتيارات من التأثيرات العميقة: أهمها سياسة إنكلترا في البلاد العربية المجاورة كمصر والعراق
ومهما يكن شأن تلك السياسة فنحن لا نستطيع أن ننكر أنها ساعدت في مختلف مراحلها على إثارة الشعور العام في البلاد التي تخضع لانتدابنا
وأول ذلك أن إنكلترا وعدت الشريف حسين سنة ١٩١٤ بالمساعدة على تأليف الإمبراطورية العربية، ثم إنها اتخذت بعد الحرب سياسة تختلف كل الاختلاف عن سياستنا نحن، فقد عقدت سنة ١٩٣٠ معاهدة مع العراق كانت نهاية للانتداب البريطاني وفاتحة لانتظام العراق في سلك جامعة الأمم. وفي سنة ١٩٣٥ بدأت مفاوضاتها مع مصر لعقد معاهدة صداقة وتحالف. . . وما من شك في أنه كان لهذه السياسة أثر كبير في سوريا التي كانت ترقب مجرى الحادثات في غليان وقلق
وقد أثبت ذلك سلسلة الوقائع المتأخرة، ففي ١٠ يناير ١٩٣٦ قرر الحزب الوطني اتباع سياسة سلبية مطلقة وإعلان الإضراب العام إلى أن تجاب مطالب سوريا في الوحدة والاستقلال. وضم الإضراب سلسلة من المآسي وأسفر عن ٦٠ قتيلاً ومئات من الجرحى، واضطر مندوبنا في سوريا مسيو (دومارتل) أن يستشير وزارة الخارجية، وكان على رأسها المسيو فلاندان فأشار بفتح باب المفاوضات مع وطنيّ سوريا
وقد انبثق عن هذه المفاوضات بين زعماء الحركة الوطنية وبين المفوض السامي تصريح أول مارس سنة ١٩٣٦ الذي نص على وجوب عقد معاهدة في باريس بين وزارة الخارجية ووفد مفاوض تنتخبه البلاد، على ألا تقل هذه المعاهدة عن معاهدة إنكلترا