كانت خديجة في الخامسة والعشرين من عمرها، أو لعلها قد جاوزتها، وإن كانت تبدو لمن يراها أصغر من ذلك؛ فهي قد نالت شهادة (المعّلَمات) منذ سبع سنين؛ فكم كانت سنها يومئذ؟. . . على أن ذلك لم يكن يعنيها كثيراً، ولعلها لم تشغل نفسها يوماُ بحساب عمرها؛ وماذا يجدي عليها ذلك وإنها لسعيدة بحياتها التي تحيا؛ فما لها فكر في غد ولا أمل يمتد إلى ما وراء غد!
وهل يشغل نفسه بحساب عمره وما مضى من أيامه - إلا ذو أمل يعيش به من يومه في غده، أو عاشق تتجاذبه لهفة الذكرى وخطرات المنى؟
منذ سبع سنين لم تغير خديجة شيئاً من نظام حياتها، فهي تغادر مدرستها كل يوم قبيل العصر بعد أن تودع تلميذاتها وتلاميذها، لتلقاهم في صبيحة اليوم التالي أشوق ما تكون أمٌ إلى بنيها وبناتها!
وفيما بين مسائها وصباحها لم يكن لها من عمل إلا أن تأوي إلى غرفتها تقرأ في كتاب، أو تشارك في عمل هين من أعمال البيت، أو تخرج لزيارة بعض جاراتها وصديقاتها منذ أيام الدراسة؛ فإذا بدا لها يوماً أن تخرج إلى بعض الحدائق العامة للرياضة، أو تشاهد رواية جديدة في السينما، أو تقصد إلى بعض المشاهد التي يؤمها الناس للتفرج - فلابد لها يومئذ من رفيقات أو رفقاء من تلاميذها الصغار في روضة الأطفال يشاركونها في الرحلة والتفرج!
على أن هذا الحب العجيب الذي كانت تمنحه هؤلاء الصغار لم يكن بلا جزاء؛ فقد كان تلاميذها يبادلونها حباً يفوق ما يمنحون آباءهم وأمهاتهم اللائى ولدنهم!
وما كانت خديجة هي المعلمة الوحيدة في روضة الأطفال؛ فإن سبع معلمات يحملن معها أعباء العمل المدرسي؛ ولكنها هي وحدها - بهذه العواطف الأمومة الصادقة - كانت في عيون أطفالها هي المعلمة الوحيدة. لا جرم كانت خديجة بذلك أسعد زميلاتها وأكثرهن شعوراً بمسرات الحياة!