وذهبت صهباء وبقيت أترقبها ثلاث أيام ولياليها وهي لا تجئ، حتى إذا كانت ليلة خرجت أنت إلى الطائف آخر خرجة، جاءتني صهباء في جنح العتمة ودخلت هي وظمياء فقالت: لقد أطاع مولاي في مرضاتك، فإن أذنت جئت به الساعة. قلت لها: لبثي حتى يأوي جوان. فلما كان بعد هداة الليل وفقدنا الصوت، ذهبت صهباء ساعة ثم جاءت ودخل على رجل أسمر طوال نحيل البدن معروف الوجه ابيض اللحية أشعت أغير، كأن عينيه جمرتان تقدان في وقبين غائرين كأنهما كهفان في حضن جبل ونضر في عيني فوالله لتمنيت أن الأرض ساخت بي ولم أنظر في عينيه، فما هو إلا أن سلم حتى سمعت نغمة صوت شجي كحنين الوالهة، فوالله لتمنيت أن يتكلم ما بقيت. ولم أدر ما أقول ودهشت وهلك صوتي، فنظرت فإذا هو يبتسم إلي ثم يقول، (يا أم جوان لقد سعيت إلى بيتك وما سعيت من قبل إلى بيت إلا إلى هذه البنية (يعني الكعبة). وقد جاءتني فتاتي صهباء تحدثني عما كان منها إليك، وقبيح بأمري أفزع قلباً ساكناً أن يدعه أو يطمئن، ولو كنت أعلم أنها مفتوقة اللسان، ما حدثتها بشيء أبدا). قالت كلثم: فكأن الله جعل لي قوة سيل جارف فقلت له: كذبت يا رجل وكذبت بنت الأصفر ووالله لئن لم تأتني ببرهان ما تقول، لتركت شيبتك هذه أباديد في أكف صبيان مكة. ووالله لو صدقت لأسرتك ولأكفينك ما عشت. فقال:(جزاك الله خيراً يا أم جوان! أما إذ كذبتي فآيتي أن تذهبي فتستخرجي من جوف حقيبة عمر الحمراء بين جلدها ومفرشها كتاب عبد الله بن هلال الفاسق بخط يده، قد جعله تميمة لزوجك أن لا يراه أحد إذا خرج إلى مأوى الفتاتين بالطائف، ومعه منديل ابن هلال الأزرق ذو الوشى، يمسح به وجهه قبل أن يرحل). فما كذبت أن طرت إلى ما زعم، فوالله لقد صدق وبر
(قال عمر)، قلت: ما تقولين؟ قالت: صه يا عمر فوالله لقد صدق وبر، وقلت له، أيها الشيخ