للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[فضائح المالية العليا في فرنسا]

للاستاذ محمد عبد الله عنان

(تتمة)

حدثت في فرنسا، مذ كتبنا مقالنا الاول، تطورات سريعة خطيرة لم تكن في حساب أحد؛ فان وزارة مسيو شوتان أو وزارة (الفضيحة) لم تستطع أن تواجه غضب الرأي العام أو أن تهدئ روعه؛ ووقعت في باريس وفي الأقاليم مظاهرات ومصادماات دموية خطيرة قتل فيها مئات وجرح ألوف: وشحنت حامية باريس بالجند المدجج تحوطا للطوارئ، ولاح مدى لحظة أن فرنسا ستغدو فريسة الحرب الأهلية، أو يتحكم فيها النظام الجمهوري لتقوم مكانه دكتاتورية مطلقة. ولكن وزارة دالاديية استقالت في الحال؛ واستدعى مسيو دومرج رئيس الجمهورية الاسبق ليؤلف وزارة ثقة قومية، وقد وفق مسيو دومرج الى تأليف وزارته من شخصيات قوية بعيدة عن ريب الفضائح الأخيرة، وهدأ الرأي العام نوعا، ووقفت المظاهرات مؤقتا. ولكن فرنسا ما تزال مترقبة جزعة، ومن المستحيل أن يتنبأ انسان بما قد يقع بعد هذا الهدوء المؤقت من الحوادث أو التطورات.

كانت فضيحة ستافسكي المالية التي فصلنا حوادثها وظروفها روح هذه التطورات الخطيرة وباعتها الأول. ويندر أن نجد في صحف التاريخ الحديث جريمة أو جرائم مالية كالتي ارتكبها ستافسكي، تحدث في سير الحياة العامة لامة عظيمة كفرنسا مثل هذه الآثار الفادحة، فتهدد سلامة نظام عريق بأسره كالنظام الجمهوري، وتدفع شعباً عظيماً إلى نوع من التوراة أو الحرب الاهلية. ولكن فضائح ستافسكي كانت في الواقع وصمة للنظام باسره، وكانت دليلا ساطعاً على أن عوامل الفساد والانحلال قد سرت الى جميع واحي الحكم والادارة والحياة العامة الفرنسية كلها، وقد شهد الشعب الفرنسي في روعة وسخط كيف يكشف التحقيق تباعا عن أن من بين وزرائه وحكامه وقضاته ونوابه رجالا يلحق الريب بذممهم ونزاهتهم، وكيف أن المجرمين الذين يدبرون اغتيال أموال الشعب يستطيعون بالرشوة أن يشتروا أولئك الذين اختارهم الشعب للسهر على أمواله ومصالحه، وأن يستظلوا بحماية أولئك الذين عهد اليهم بقمع الجريمة، وان يجعلوا من القانون والقضاء اداة مشلولة. وقد رأينا مما تقدم كيف أن ستافسكي، وهو متهم بعدة جرائم نصب وتزوير،

<<  <  ج:
ص:  >  >>