ولقد دفع الإسلام بمعتنقيه إلى العناية بفن العمارة بطريق غير مباشر، إذ وصف الله في كتابه العزيز جنات النعيم التي أعدها للمتقين من عباده وصفاً شيقاً لعله كان مبعث الوحي للمسلمين فيما شيدوه من عمائر:(والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم من الجنة غرفا تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها، نعم أجر العاملين)، (لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرفة من فوقها غرفة مبنية تجري من تحتها الأنهار. . .). فما كادوا يفتحون الأمصار ويرون ما بها من آثار حتى أقبلوا على البناء فأقاموا قصوراً شاهقة، رشيقة التكوين، موزونة الأبعاد، منمقة الجدران، ضاع معظمها، ونفضت معاول علماء الآثار الأكفان عن بعضها، وألفت منها من يد الدهر ذلك القصر العظيم الذي شيده بنو الأحمر في الأندلس، وهو بغرفه الفسيحة الرائعة، وقبابه الرشيقة العالية، ومياهه الرائقة الجارية، وجناته ذات القطوف الدانية، خير شاهد على ما تقدم
وما كان للمسلمين وقد سكنوا تلك القصور الرائعة ليقفوا بمساجدهم عن حد البساطة التي كانت عليها في أيام الإسلام الأولى، بل تذكروا قول الله عز وجل:(في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه). فأقبلوا على المساجد يشيدونها ويزخرفونها إجلالاً لها وتعظيماً لقدرتها، وبعداً بها عن مواطن الاستهانة إذا ما قورنت ببيوتهم أو بمعابد اليهود وكنائس المسيحيين. ولبس مسجد المدينة على يد الخليفة الثالث عثمان ابن عفان حلة فخمة خلعت عليها يد صناع الحسن والبهاء، وأقبل عمر بن عبد العزيز على تزيينه وتحسينه، وكذلك فعل خلفاء المسلمين من بعدهما، وكذلك فعل الأمراء والأغنياء في كافة العالم الإسلامي، إذ رصعوا جوانبه بمساجد هي آية من آيات الجمال الفني
ولقد كان من أثر ذلك أن سار المسلمون بفن العمارة إلى الأمام خطوات واسعة، ويكفي أن نذكر فضلهم على العالم أجمع في تحسين القبة - ذلك العنصر المعماري الذي يعتبر من المميزات البارزة في العمارة الإسلامية - فلقد ورث المسلمون القبة عن الأمم السابقة عليهم من مصريين وعراقيين ورومان، ورثوها صغيرة ساذجة بسيطة محدودة الاستعمال، وردوها إلى العالم كبيرة معقدة جميلة، وارتقوا بها في مدارج الرقي، وتجلت في إنشائها