للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[من شئون المساكين وتخطيط البلدان]

في النظم الإسلامية

للأستاذ لبيب السعيد

لما انعقدت بالقاهرة أخيراً الدراسات الاجتماعية للدول العربية ناقشت المساكن وتخطيط القرى في الريف، وفي رأينا أنه كان يجمل بالمؤتمرين - وهم مندوبو دول عربية إسلامية - يلتفتوا إلى آراء النظم الإسلامية في هذا الشأن، ولكنهم لم يفعلوا، والظن أنهم في غمرة التقدير المسرف لنظم الغرب وأفكاره وتشريعاته شغلوا عن الإفادة من النظر في تضاعيف التاريخ الإسلامي ما يحوى من ثروات اجتماعية فكرية وتشريعية، وهي ثروات يمكن الانتفاع منها في الطلب للمشكلة والملاءمة عند الاقتضاء بين بعضها وبين الزمن. وربما كان من دواعي هذا الإغفال أن الإسلامية لم يستخرج بع الكثير من غرائب نصوصها، ولم تدرس بعد على نحو علمي عميق يجلوها نصوصاً وروحاً ومعقولاً.

وفي موضوع المساكن، تسبق النظم الإسلامية إلى مبدأ بالغ لأهمية هو إلزام الدولة بتدبير مساكن للفقراء، ذلك أن الشريعة تقتضي أغنياء كل بلد أن يقوموا بفقرائهم، وأن يجبرهم السلطان على ذلك إن لم تقم الزكوات بهم. والقيام بالفقراء لا يكون بتدبير القوت وكسوة الشتاء والصيف فحسب، ولكنأيضاًبتجهيز مساكن لهم يصفها ابن حزم بأنها (تكنهم من المطر والصيف والشمس وعيون المارة)

وتوفير المساكن أمر عمرانيتستهدفه النظم الإسلامية، فليس لمالك دار أن يهدمها إذا كان في ذلك - كما يعبر المفتون - (ضرر لأهل السكة بخراب المحلة)

والمسلمون في سياستهم المسكنية يعنون بقوانين الصحة الوقائية، فهم مثلا لا يغفلون عن وجوب نقاء ماء الشرب، ويعرفون للماء خطرة في توفير النظافة، ولذلك فهم حين تواتيهم الفرصة بفضل الظروف الطبيعية يزيدون البيوت كبيرها وصغيرها بالمياه النقية. يتحدث المرحوم الأستاذ أمير على عن مياه الشرب في دمشق أيام فيقول: (ومع أن نهر (بردي) كان يجهز المدينة ولا شك بالمياه الكافية إلا أن الأمويين أبدوا مهارة منقطعة النظير في تجهيز حتى أحقر دور المدينة بأحواض خاصة تنبثق منها المياه الصافية، كما حفروا سبعة جداول رئيسية تنساب في أنحاء المدينة، وعلاوة على المجاري العديدة الأخرى التي كانت

<<  <  ج:
ص:  >  >>