[من مخلفات الحرب هذا الطبلاوي أفندي]
تخلص الإنجليز والأمريكيون من أوزار الحرب التي انقطع منها النفع، فباعوا كل ما تركت من شيء حتى القنابل المحشوة! وأقصوا كل ما خلفت من شخص حتى تشرشل الجبار! ونحن في مصر لا نزال نعاني من مخلفات الحرب وجرائرها ما يرمض الجوانح ويقض المضاجع.
لا أريد بمخلفات الحرب هؤلاء الجنود الغرباء الذين يملئون الدور
ويزحمون الشوارع، ولا هذه الضرائب الاستثنائية التي تقصم الظهور
وتقوض المصانع، إنما أريد بها أثرياء الحرب الذين يُفحِشون أسعار
الخبز واللحم والفاكهة على الفقراء في العواصم، ويرفعون أجور
القصور و (العشش) و (الكابينات) على الأغنياء في المصايف،
ويخفضون مستوى الخير والحق والجمال والذوق والفضيلة في جميع
الأماكن؟ أكثر هؤلاء طغام رُبوا في أحجار الفاقة، ودرجوا في أكواخ
البؤس، وأعوزتهم التربية الدينية التي تجمل الفقر بالزهد، والثقافة
المدنية التي تلطف الشقاء بالأمل، فشبوا على غرائزهم الأصلية،
يحتالون عند العجز احتيال الذئاب، ويفترسون عند القدرة افتراس
الأسود، وهم بين أحوال العجز والقدرة يكابدون آلام الشوق الملح
المحرق إلى المال في يد الغني وفي بيوت التجار، وإلى اللحم في جسد
المرأة وفي حانوت الجزار، ويحاولون ما استطاعوا أن يطفئوا هذا
السُّعار القاتل بالسرقة والقمار والتدليس والاحتيال والغش، فلم يزدهم
هذا الري إلا ظمأ، ولا هذه المتعة إلا حسرة!
فلما أوقد المستعمرون نيران الحرب لا خيرة في بقاع الدنيا فأكلت شباب الأمم، وأهلكت ثمار الأرض، ونقصت نتاج الناس، قُيدت المعاملات، وحددت الأرزاق، فوجد هؤلاء