. . . ومضيت أعود ليلى مرة ثانية، بعد أن قبْلت الصورة التي أدفع بها وحشة الليل في بغداد، وبعد أن قرأت الرسائل المعطرة التي وردت من مدينة. . . وكذلك أعددت قلبي للرفق واللطف، وأنا في عالم الطب كالبلبل في عالم الأغاريد، لا أطرب إلا بعد مناجاة الأحلام، ولا يطرب إلا بعد أن تضوع من حوله أرواح الأزهار. فهل تعرف معنى ذلك تلك الإنسانة التي بلغ بها العناد أن تصرح بأنها لن تفتضح في حبي إلا يوم يظهر أنها دفعتني إلى الخلود؟ رباه! ما أصعب تكاليف الخلود! ولكن كيف ألقى ليلاي؟
إنني أخافها أشد الخوف؛ فقد بدت لي في المرة الماضية على جانب من الوعورة، ولا يبعد عندي أن تكون حمقاء، فان الجمال يورث أهله بعض خصال النزق والطيش؛ وأنا والله على استعداد لمقابلة الشر بالشر، فان رمتني بالحمق رميتها بالجنون، ولكنّ ذلك لا يقع بدون جزاء، فقد تفسد العلائق بين مصر والعراق
فراقك صعب، سيدي! كذلك قالت ليلى منذ ليال
فما الذي يمنع من الأدب؟ وهل كُتب عليّ أن أظل دهري شقيَّا لا أعرف غير الرجس؟ مالي لا أجرب الحب العذري مرة واحدة في حياتي؟ مالي أحرم قلبي أطايب العفاف؟ آمنت بالله! وهل كنت فاسقاً حتى أفوه بمثل هذا القول؟
إنك يا ربي تعلم كيف ابتدأت وكيف انتهيت. إنك يا ربي تعلم أني أشرف مخلوق سوته يمناك، مع استثناء الأنبياء؛ ولكني طبيب جنى عليه الأدب فسار في بقاع الأرض أنه من الفاسقين
كيف ألقى ليلى؟ تلك هي النقطة، كما يقول لافونتين!
ألقاها بالتجارب التي أفدتها في باريس، فقد وردت مدينة النور أول مرة في سنة ١٩٢٧ وكنت سمعت أنها مدينة تموج بالهوى والفُتون، فكان أكبر همي أن أعيش فيها عيش المجانين بعد أن عانيت الأمرين من عيش الجفاف في شارع الحمزاوي وعطفة الجمالية!
ودخلت السربون، سقاها الغيث وجعل الله لها لسان صدق في الآخرين، فكانت عيني لا تقع