للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الأخلاق والتشريع]

إذا كان الصيف موسم التنزه والاستحمام وجوب الشواطئ، فهو أيضاً موسم التحدث عن الأخلاق. ففي كل صيف يتجدد لدينا حديث الأخلاق وانحلالها، وما تجنيه عليها مناظر الاستحمام والعري المثيرة؛ وقد بلغت هذه المناظر على شواطئ الإسكندرية فيما يظهر حداً مزعجاً من التبذل والتهتك، وأثارت عاصفة شديدة من الاحتجاج والسخط، وارتفعت الصيحة بوجوب وضع حد لهذه الإباحة الخطرة؛ فاهتمت الحكومة وتدخلت إدارة الأمن العام، ووضعت قيوداً جديدة على الاستحمام والنزه البحرية والركوب أو الجلوس بملابس البحر، تحقق في نظرها مستوى معيناً من الحشمة والحياء والصون

وثار أيضاً حديث الأفلام والمناظر السينمائية المنافية للحياء، وانتهى إلينا صدى تلك الحملات القوية التي تنظم في أمريكا، وتنظمها الكنيسة بالأخص لمحاربة هذه الأفلام والمناظر المثيرة المفسدة لأخلاق النشىء والشباب؛ وقيل بحق إننا في مصر أشد حاجة إلى مقاومة هذا الخطر الأخلاقي؛ فاهتمت لذلك لجنة الرقابة الأدبية، واقترحت على وزارة الداخلية أن تشدد الرقابة على الأفلام المصورة الواردة من الخارج، فأقرت الاقتراح وستعمل لتنفيذه.

وهكذا كلما ارتفعت الشكوى من خطر على الدين أو الأخلاق، اتجهت الأنظار إلى الحكومة، وطلب إليها العمل لمقاومة هذا الخطر. والحكومة في مصر هي حامية الدين والأخلاق. والحكومة في جميع الأمم المتمدنة تضطلع بمثل هذه المهمة وتحمل مثل هذه التبعة؛ ولكنها لا تنفرد بتأدية هذا الواجب، وإنما تقوم به إلى جانب القوى المعنوية والاجتماعية الأخرى، وتمد إليها يد العون متى احتاجت. أما في مصر فالمفروض أن الحكومة تقوم في هذا السبيل بكل شيء، وتحمل كل تبعة، وعليها وحدها يقع عبء التقويم والإصلاح

وليس هنا مقام التحدث عن أسباب هذه الظاهرة، وإن كان وجودها طبيعياً في بلد تقبض حكومته على جميع السلطات، وتسيطر على جميع الحريات والقوى المادية والاجتماعية؛ ولكنا نتساءل فقط: هل يكفي تدخل الحكومة لدرء الشر، أو بعبارة أخرى هل يعتبر التشريع وسيلة ناجمة لتقويم الأخلاق؟ لقد اعترض بعض النقدة حينما فرضت الحكومة تلك القيود الجديدة على ملابس البحر والنزه البحرية، وقالوا إن الأخلاق لا تقوم بالتشريع، وإن

<<  <  ج:
ص:  >  >>