للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الصيد في الأدب العربي]

للدكتور عبد الوهاب عزام

أريد في هذا المقال التنبيه إلى موضوع من موضوعات أدبنا لا أعرف له نظير في الآداب الأخرى، موضوع يجمع بين أوصاف الطبيعة وأعمال الفروسية، وحركات الرياضة، ويعرضها صوراً متتابعه كأنها مناظر السماء. ذلكم الصيد كما وصفه شعراؤنا وكتابنا منذ عصور الجاهلية. وسأعرض في هذه الصفحات صورة منه مجملة

- ١ -

عرفت الأمم كلها الصيد في بداوتها وحضارتها يدعوهم إليه ضرورات العيش وحاجاته، ليأكلوا لحم الحيوان ويتخذوا جلده ألبسة وأدوات ويسخروه في منافعهم، ويدعوهم كذلك إليه اللهو والمتاع. والأمم فيه مختلفة اختلاف أراضيها واختلاف أطوارها في الحضارة، وله في تاريخ الأمم فصول طويلة لسنا في مقام بيانها وللفرس صلة الجوار والمخالطة بالأمة العربية؛ فقد عنى العرب بذكر ما أثر عن الفرس من رسوم الصيد وأخباره فوصلوه بالأدب العربي؛ فلا بأس أن نخصهم بكلمة قبل الإبانة عن موضوعنا:

قال الجاحظ: (وزعموا، وكذلك هو في كتبهم، أن ملوك فارس كانت لهجة بالصيد، إلا أن بهرام جور هو المشهور بذلك في العوام. . .

قالوا: وكان الملك منهم إذا أخذ عيرا أخدريا، فإذا وجده فتيا وسمه باسمه، وأرخ في وسمه يوم صيده وخلى سبيله. وكان كثيراً إذا ما صاده الملك الذي يقوم بعده سار فيه مثل تلك السيرة وخلى سبيله. فعرف آخرهم صنيع أولهم، وعرفوا مقادير أعمارها)

ولبهرام جور سيرة في الصيد ذائعة، وقد أضيف اسمه إلى حمار الوحش وكان كلفا بصيده. وهو بالفارسية (كور) فعرب إلى جور. وكان لسيرة بهرام في الصيد وما أثر عنه من العجائب أثر في الأدب الفارسي والتصوير، فكثيراً ما وصف الشعراء وصور المصورون بهرام في أحوال مختلفة من مطاردة الحمر الوحشية والغزلان. وإذا عرفنا أن الروايات الفارسية مجمعة على أن بهرام نشأ في الحيرة بين العرب وتأدب بآدابهم، وجدنا في سيرته صله أخرى تصل الصيد عند الفرس بالصيد عند العرب

- ٢ -

<<  <  ج:
ص:  >  >>