تسامع الناس في العالم العربي بقصة (الإنسان الغزالي) الذي وجه الصيادون في بادية الشام منذ أسابيع.
ولا نعيد القصة، ولكننا نسجل الأعاجيب التي انطوت عليها لو صحت روايتها الأولى:
وهي أن ذلك الإنسان الغزالي - وهو طفل في الثانية عشرة - كان يسبق السيارات ويعدو مع الغزلان بسرعة ثمانين ألف متر في الساعة، ونزل بعضهم بهذه السرعة إلى خمسين ألفاً وهي ليست بالشيء القليل؛ لأنها خمسة أضعاف السرعة التي يستطيعها العداء الرياضي بعد المرانة العلمية والاجتهاد الطويل.
والأعجوبة الأخرى أن هذا الطفل قد تبنته ظبية في البادية وتعهدته بالرضاع والحضانة حتى نما وكبر وأصبح يهيم معها في البادية كما يتبع الخشف أمه في أسراب الفلاة.
وتمت الأعجوبة بوصف شفتي الطفل ووصف قدميه. فإن بعضهم أبى إلا أن يجعلها (حيوانية) في كل شيء. فالشفتان مشقوقتان لا تتكلمان ولكن تبغمان. . . والقدمان ظلفان أو أشبه الأقدام بالأظلاف.
وأسرع الناس إلى التصديق، وأسرع المعقبون إلى الإضافة والتعليق، وأوشكت أسطورة الأسبوع أو الأسبوعين أن تفوق في الغرابة أساطير المئات والألوف من السنين.
ولا عجب فيما قيل من أن الطفل كان يأكل الحشائش والأعشاب ويستطيبها، وأنه ظل في المستشفى الذي نقل إليه معرضاً عن الطعام الذي يأكله الآدميون. فإن الآدميين يأكلون ألواناً من العشب والخضر في الحاضرة ويكتفون بها عند الضرورة وقد يستطيبونها ويكتفون بها لغير الضرورة.
ولكن العجب كل العجب في تلك السرعة المزعومة، وفي تبني الحيوان للطفل الإنساني بغير إرشاد وتدريب. فقد يحدث هذا برياضة الحيوان عليه زمناً يطول أو يقصر، ولكنه لا يحدث في البادية من حيوان بين قطيع يظل وحده متكفلا بالرضاع بين سائر اخوته. فأما إذا كان القطيع كله مشتركا في الرضاعة على التناوب فذلك أعجب ما يروى من ضروب الكفالة الحيوانية بالإجماع.