لنشرع الآن. . . على ضوء ما قدمنا - في تحليل الكتاب الأول من الأخلاق النيقوماخية المطلوب إليكم دراسته تحليلا مفصلا. وفيه يتناول أرسطو بالحديث غاية الحياة على النحو الذي قلت في المقال السابق إنه يبدأ به بحثه في كل علم وفن أعني عرض مختلف الآراء والنظريات ومناقشتها ونقدها قبل الشروع في الإدلاء بنظريته هو التي تجدونها - ويجب أن تطلعوا عليها. . . الكتاب العاشر (الأخير) من الأخلاق النيفوماخية في المجلد الثاني.
وإنما بدأ بدراسة الغاية وكل شيء في الحياة من علم أو عمل فإنما له غاية يرمي إليها، وبتحديد هذه الغاية تحديداً واضحاً منذ البدء يتضح السبيل أو الوسيلة إليها. بل إن الغاية نفسها هي التي كثيراً ما تعين الوسيلة المؤدية إليها، كالحصة في الطب، والانتصار في الحرب، والثروة في الاقتصاد. وقد تبرر الغاية الوسيلة كما في بعض المذاهب الأخلاقية المتطرفة مما يعبر عنه مبدأ مكيافيلي المعروف: الغاية تبرر الوسيلة أي تشفع لها وتستبيح في سبيل تحقيقها أية وسيلة مشروعة كانت أو غير مشروعة. فالغاية وإن كنا تصل إليها آخر الأمر - وقد لا تستطيع الوصول إليها لعدم توفر أسبابها ووسائلها. . . إنما تحدد بادئ الأمر ومن هنا لزم وجود علم (أو علوم) وفن (أو فنون) تختص بدراسة كل غاية من هذه الغايات، وتنتهي من تعرف طبيعتها إلى وصف الطريق المؤدية إليها.
وما أكثر ما تتعدد الغايات وتتعقد - على خلاف بينها في درجة التعقيد. فمن الوصائل ما تحمل في طيها قيمتها بحيث تصبح هي الغاية. بمعنى أن تكون مصورة لذاتها (فقرة ٢ سطر ٢) كمن يتلقى العلم لذات العلم، أو يزاول نوعاً من الفنون كالرسم أو التصوير أو الشعر حباً في الفن، من غير أن تكون له غاية أخرى من حب الشهرة أو الثروة أو نحوهما. وأحياناً ما يكون العمل وسيلة لغاية مرسومة، كما في أغلب أفعالنا الإنسانية التي هي في معظمها وصولية نفعية حتى لينكر المعاصرون وجود العلم للعلم، وحي الفن للفن، إيماناً منهم بأن كل شيء لابد له من غاية تستتر وراءه وتكمن فيه. والأمر أشد عسراً حين تدرك أن من هذه الغايات ذاتها ما يكون وسيلة لغاية أسمى، فلا يقصد لذاته، وقد يكون لهذه