عندما يطوف السائح بمدن لاهور وأكرا ودلهي بشمال الهند تتفتح أمامه صحف عديدة من تاريخ المغول العظيم، حافلة بجلائل الأعمال وضروب البطولة، ويلمح في ثنايا تلك الصحف بعض السطور البارزة التي خطتها أنامل بعض نساء المغول في تاريخ تلك البلاد المجيدة. ومن ابرز نساء تلك الدولة سيدتان عظيمتا الخطر، ربطتهما وشيجة الرحم وعاشتا في عصر واحد. كانت كلتاهما زوجة لإمبراطور، رائعتي الجمال، راجحتي العقل تلكم المرأتان هما (نور جاهان) و (ممتاز محل).
أما نور جاهان فمن اصل فارسي، ضاقت سبل العيش في وجه أبيها - (مرزا غياث) - فأزمع الهجرة من طهران إلى الهند عسى الحظ يبسم له هناك. وفي الطريق ولدت له ابنة سماها (مهر النساء). وكان مسافرا معه في القافلة تاجر ثري رقيق القلب اسمه (مالك مسعود) أخذته به وبعائلته البائسة شفقة فتولاهم بعنايته ومعونته طول الطريق حتى بلغوا دلهي بسلام. وهناك أراد (مسعود) ان يسدي يدا أخرى لصديقه المسكين فقدمه للإمبراطور (أكبر) العظيم الذي ألحقه بخدمته كما الحق زوجه وبناته بالقصر مع حريمه. وبعدما أبدى كفاءة وإخلاصا في عمله احبه الإمبراطور وأدناه ورقاه.
وفي أثناء ذلك نشأت (مهر النساء) وترعرعت بين نعيم القصر وأبهته، والفت حياة البذخ والترف. وما أن بلغت السابعة عشرة حتى تزوجت من ضابط باسل بجيش الإمبراطور اسمه (علي كولي) وكان هو الآخر فارسيا وسيم الطلعة، قوي البنية، خدم في أول الأمر الشيخ إسماعيل الثاني - شاه الفرس - بان كان نادلا يقدم له صحائف الطعام، وسرعان ما جذبته الهند واستهوته مغامراتها فهاجر إليها والتحق بخدمة اكبر. وهناك برزت مواهبه فألحقه بأركان حرب أبنه الأمير (سليم) عندما خرج على رأس جيش كبير لإخضاع ولاية (ميوار) فأبدى من ضروب البسالة والشجاعة ما حبب الأمير فيه وقربه إليه، واجزل له العطايا والمنح، وسماه (شر أفغان) أي قاتل النمر لأنه أردى نمرا متوحشا أمامه، واصبحا علما له فيما بعد. وبعد انتهاء الحملة، ولأمر ما، شق الأمير عصا الطاعة على أبيه ومليكه فأنفض اكثر الضباط المخلصين من حوله ومن بينهم (شر أفغان) ولما كان من عادة الجنود