أن طاغور الذي برأ الحياة من الشر، وأرجع وجوده فيها إلى عصيان الإنسان لقانونه الأخلاقي، لم يغب عن باله ما يعتري الإنسان من نقص في عقله أو إرادته، ولم يغفل ما يسببه هذا النقص للإنسان من متاعب، وما يجره إليه من فشل يثير في نفسه ألواناً متضاربة من الآلام قد تنقش حياته وتنفث فيها التعس.
ومع ذلك لم يلق طاغور تبعة هذه الآلام على الحياة، وأخذ يدلل على أنها لا تتعارض مع السيادة، ولا تسوق الإنسان بالضرورة إلى الشقاء. وزعم أن الله خلق قوى الإنسان ناقصة وإرادته محدودة، وأن النقص في حد ذاته لا يؤذي الإنسان، وأن حدود الإرادة لا تحد من نشاطها، وإنما الذي يؤذيه هو أن تظل قواه على ما هي عليه من نقص، وتبقى إرادته حبيسة حدودها على الدوام بدون أن يسعى لاستكمال قواه الناقصة، ولا يجد في أن تصير إرادته المحدودة غير محدودة.
ولو خلق الله بادئ ذي بدئ قوى الإنسان كاملة وإرادته غير محدودة، لفقدت قدرته اللانهائية من ناحية كل معنى لها ولتعذر على الإنسان من ناحية أخرى أن يرتقي في سلم الوجود حتى يصل إلى تلك الدرجة الروحية النموذجية التي يندمج فيها وجوده في وجود الله، ويصبح هو والله حقيقة واحدة، لأن القوة لا تطور إلى أن تتم نموها إلا إذا دفعها النقص لتكمل، وإن الإرادة لا تتحرك حتى تصبح غير محدودة إلا إذا كانت تعمل على التحرر من نطاق حدودها الذاتية لتفنى في إرادة الله غير المحدودة. فلولا نقص الإنسان ما عرف الكمال، ولولا حدود إرادته ما صارت غير محدودة.
فنقص الإنسان ونهاية إرادته لا يسيئان إليه بقدر ما يدفعانه إلى طلب أرقى مراتب الكمال، وبلوغ السعادة القصوى بالتلاشي في لانهاية الله. وما خص الله الإنسان بهما إلا ليمكنه من العودة إلى المنبع الذي انبعث منه، ويحفزه على الفناء في روحه الكبرى التي تشمل كل الوجود. وان جمود النقص وبقاء نهاية الإرادة على ما هي عليه، يمدان الحياة بسموم الألم وما يتفرع منه من حزن وخوف وقلق.