للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الصوت والشخصية]

للأستاذ عباس محمود العقاد

بحث أصحاب الموسيقى في الصوت الإنساني من نواحيه الفنية فقالوا فيه كل ما يعينهم أن يقولوه، ولكني لا أظنهم وفوه بحثاً من ناحية فيه جديرة بالدراسة الطويلة، لأنها تقضي بنا إلى استطلاع أسرار النفس وتركيب الشخصية الإنسانية، ونعني بها ناحية العلاقة بين الأصوات والشخصيات

تلقى إنساناً في الطريق فتتوقع أن تسمع له صوتاً معيناً يناسب ما رأيته من ملامحه الشخصية، ثم يتكلم فتسمع منه ذلك الصوت الذي توقعته، أو تسمع صوتاً لا يلفتك إلى غرابة في التوفيق بين ما رأيت وما سمعت

وتلقى إنساناً آخر فيتكلم، فإذا أنت قد فوجئت بصوت لا تنتظره، ولا يبدو لك أنه يناسب تلك الشخصية في جملة مظاهرها، ولا يرجع الأمر إلى القوة والضعف أو الارتفاع والهبوط، فقد يكون الصوت قوياً كما توقعته، ولكنه من معدن غير معدن الشخصية التي وزنتها بالعين والبديهة والخيال

برزت هذه المسألة عندي بروزاً واضحاً بعد انتشار الصور المتحركة الناطقة وظهور الساسة والعظماء فيها متحدثين أو خطباء أو منشدين، ولم يلفتني الأمر من جانب الممثلين والممثلات، لأن الذين يختارونهم يعتمدون اختيارهم وفاقاً لوقع الصوت والمنظر في نفوس المشاهدين، وإنما لفتني من جانب الوزراء والقواد والرؤساء، لأن أصواتهم بعيدة من توفيقات ذلك الاختيار المقصود

فمن الأصوات التي قرأت عن أصحابها ورأيت صوراً لهم، وعرفت أخباراً عنهم، ثم سمعتهم فلم أشعر بالغرابة فيها، سمعت صوت فرنكلن روزفلت رئيس الولايات المتحدة السابق وهو يخطب في البرلمان ويتحدث إلى الصحفيين، فلم يكن في حديثه ولا في خطابته يخالف ما توقعت من صفة الصوت ولا من نبرته وإيقاعه، بل خيل إلي أن صوت روزفلت لا يمكن أن يكون إلا على هذه الصفة وهذا الإيقاع

أما الأصوات التي استغربت أن تكون لأصحابها، فمنها صوت شرشل وصوت مصطفى كمال، وليس ذلك لضعف فيهما أو مناقضة لصفات الرجلين الرفيعة، ولكن لأنها من معدن

<<  <  ج:
ص:  >  >>