للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[إصلاح الأزهر بين دعاته وأباته]

تقرأ بعد هذه الكلمة مقالا للأستاذ محمود الغمراوي صور فيه المخاوف التي تساور بعض علماء الأزهر من عواقب الاقتراح الذي اقترحته الرسالة في عدد مضى على مشيخة الأزهر ووزارة المعارف لحل مشكلة الأزهر. صور الأستاذ الفاضل ما توهم من تلك المخاوف تصويراً يروعك منه حفاظ المؤمن وإشفاق الناصح؛ ولكن الألوان والضلال التي اختارها صورته جعلتها ادخل في باب الخطابة منها في باب المنطق! من تلك الظلال (هذه السهام التي تسدد إلى الأزهر، وهذه الأسنة التي تشرع على القرآن). ومن تلك الألوان هذا (الفرض الذي يقتل الأزهريون بأيديهم لغتهم ودينهم) وهذا التهويل عليهم (بالبلاء الوافد والخطب الراصد والموت الحاصد). والأستاذ اعلم الناس بأن المستعمرين أنفسهم لم يبلغوا من الجحود بآيات الله أن سول الشيطان لهم بعض ذلك، بله الذين يؤمنون بأن العالم لا يسعد إلا بالدين، وأن الدين لا يجدد إلا بالأزهر، وأن الأزهر متى أستكمل أداة التعليم وساير حاجة العصر نهض بالشرق نهضة أصيلة حرة، تنشأ من قواه وتقوم على مزاياه وتتغلغل في أصوله. ذلك لأن ثقافته المشتقة من مصدر الوحي وقانون الطبيعة متى اتصلت بتيار الفكر الحديث تفاعلت هي وهو، فيكون من هذا التفاعل ما يريد به الله تجديد دينه وكفاية شرعه وإدامة ذكره.

على أن الأستاذ الغمراوي قصر جهده في مقاله على عرض اقتراح الرسالة في صورة الهولة ليفزع بها المخلصين لدينهم ولغتهم فلم يشر بتعديل فيه ولا ببديل منه، كأنه يرضى للأزهر أن يظل كما هو يملك الكلام، ويجتر الماضي، ويقتات الفتات، ويبطل الاجتهاد، ويعطل العقل، ويصم أذنيه عن أصوات العالم وحركات الفلك!

ولكن الأستاذ من صدور العلماء المعروفين بطول الباع في علوم الدين، وسعة الاطلاع على فنون اللغة؛ فلا بد أن يعلم أن ميزة الإسلام التي تفرد بها مسايرته للتطور ومطاولته للزمن؛ فإذا حصرناه في زمان محدود، أو قصرناه على نظام معين، سلبناه هذه الميزة، وفصلناه عن دنيا الناس؛ فهو إذن من المصلحين المحافظين الذين يجددون بقدر، ولا يتقدمون إلا في أناة وحذر، لأنه يرى الحال داعية إلى الإصلاح، ولكنه يطلب من الأستاذ العقاد ومني أن نراجع الرأي فيما كتبناه لعلنا نجد (لوناً آخر من العلاج يكون فيه للأزهر الشفاء والعافية).

<<  <  ج:
ص:  >  >>