في كتاب حديث باللغة الإنجليزية عن الآثار الدينية بمصر ذكر المؤلف معاني المعابد القديمة وطواف المسلمين بها في المواسم وفي غير المواسم يلتمسون قضاء الحاجات أو يطلبون وقاية الأبناء والأعزاء، ويعلقون على جدرانها خيوطاً أو خلقاناً تتصل بأصحابها كرامة الصنم أو القديس القديم، وقال المؤلف بعد ذلك ما معناه أن هؤلاء المسلمين ولاشك هم من عنصر الفراعنة الأقدمين، وأن هذه العقائد هي سلسلة الوراثة من الآباء إلى الأبناء والأحفاد
ومثل هذا التفسير يجوز لو كانت العقائد مما يورث في الدماء وراثة تشريحية كما يقولون في مصطلحات العلم الحديث، ولكن العقائد لا تنتقل هذا الانتقال ولا تبقى إلا بآثارها في المجتمع أو بأساسها من النوازع النفسية الخالدة، وليس منها الإيمان يولي مخصوص أو بمكان محدود. بل ذلك هو حكم العرف والتقليد
لقد لاحظنا كثيراً في الصعيد أناساً يذهبون إلى أصنام الفراعنة ولاسيما آلهة النسل - يطلبون الذرية ويفرضون على أنفسهم النذور، ويتلون بعض العزائم والدعوات. ولاحظنا كثيراً أناساً من المسلمين يطوفون بغير المعابد الإسلامية دفعاً لمرض أو اتقاء لبلاء، فلم يخطر لنا أنهم يصنعون ذلك بفعل الوراثة المتغلغل في التركيب على غير علم من ذويه، وإنما خطر لنا أنها بقية من السحر وبقية من الإيمان بعناصر الشر تساور الناس من جميع الأديان
فالمسلمون والنصارى واليهود والمجوس والبوذيون يلجئون إلى السحرة للتعوذ من الشرور، ولا يقول أحد إنهم أبناء أمم قديمة كانت تدين بهذا الدين أو ذاك، ولكنهم في الواقع يؤمنون بالسحر اليوم كما كانت الأمم القديمة تؤمن به على السواء في أفريقيا وأوربا وآسيا والأمريكتين وفي كل صقع من أصقاع العالم. ولو بقي في أستراليا مثلاً رجل واحد يلجأ إلى ساحر ليحميه بالرقي والتعاويذ لما جاز أن يقال إن هذا الرجل من نسل المصريين الأقدمين لأنهم كانوا أمة يسود فيها طائفة من السحرة والكهان. بل كل ما يجوز أن عقيدة السحر لها مرجع واحد من نوازع النفس الإنسانية، وهو خوف المجهول والإيمان بوجود