بعض العباقرة لا تكاد نفهمهم الفهم الدقيق النافذ، إلا إذا فهمنا أطوار حيواتهم فنربطها بتجاربهم الميتافيزقية الخفية، والاختلاجات النفسية، لندرك ما وراء الحس في حياة كل عبقري من صدام وصراع
وشلي أحد أولئك الذين تعيننا ترجماتهم على كشف البواعث والولائد في أطباق نفوسهم القصية إذا ما أراد أحدنا درس واحد منهم دراسة عميقة، يقوم أساسها على الفهم الحي للعنصر الوحداني الدفين المستتر في قرارة كل نفس، ليخرجه إلى عالم النور
وإذاً، فقد ولد هذا العبقري الثائر في الرابع من أغسطس عام ١٧٩٢ في ورشهام، بين الأجراج النضرة والمراعي الجميلة؛ فنشأ في أحضان الطبيعة القروية الساذجة، فاستشف مكامن الروعة من الكون بعينين ناعستين (كأنما أثقلهما وسن حالم عميق)، كما يقول أحد نقاده المعاصرين. ثم سافر حدثاً ليلتحق بكلية (إتون) باكسفورد، فبرم من تقاليدها المدرسية الرتيبة، وحاول مراراً التخلص منها، ولكن إرادة والده حالت دون ذاك؛ إلى أن نشر رسالة عن (ضرورة الإلحاد) وذلك عام ١٨١١، هاجم فيها العقائد والأديان، وسخر من جميع المثل السائدة في عصره، وبشر بضرورة تحطم اللاهوت المسيحي وسحقه؛ فما كان من الجامعة إلا أن أقصته عنها، فغادرها وفي نفسه حز عميق من السخرية والسخط اللذين أثارهما بيديه من الأساتذة ورفاقه الطلاب. وهنا فعل الكبت فعله العجيب في مطاوي هذه النفس الحساسة النزوع. ومنذ هذا الوقت مضى طليقاً ينظم الشعر ويقرأ المثولوجيا اليونانية والآثار الكلاسيكية، ولا سيما أفلاطون وأسخيلوس اللذين أعجب بهما كثيراً، وصاحبهما طوال حياته؛ فأشربت روحه هذه الثقافة الحية المفعمة بدوافع الفن والحياة. وبقى يتنقل بين أقطار أوربا بعد أن ودع إنجلترا إلى غير رجعة، حتى وطئت قدماه أرض إيطاليا الجميلة، فاتخذها مقراً له، بصحبة زوجه ابنة الفيلسوف الإنجليزي وليم كودون؛ وهنالك استكمل تكوينه الفني المدهش فبقى يبدع الروائع الشعرية السامية دراكاً حتى وافته المنية غريقاً في ليجهورن على شاطئ سبيزا وذلك في الثامن من (يولية) عام ١٨٢٢ وقيل