قال الشاعر الذي فقد منذ عام، الأستاذ احمد الزين في مطلع رثائه لشاعر النيل حافظ إبراهيم:
أفي كل حين وقفة إثر ذاهب ... وصوب دم أقضي به حق صاحب
أودع صحبي بعد واحداً ... فأفقد قلبي جانباً بعد جانب
تساقط نفسي كل يوم فبعضها ... بجوف الثرى والبعض رهن النوائب
فيا دهر دع لي من فؤادي بقية ... توصل ودود أو تذكر غائب
ودع لي من ماء الجفون صبابة ... أجيب إليها في البين صيحة ناعب
وأخيراً قال الأستاذ محمد الأسمر في تأبين المغفور له محمود فهمي النقراشي باشا:
أفي كل يوم دمعة خلف غائب ... وفي كل يوم لوعة بعد غارب
رجال كأمثال النجوم فثاقب ... مضى وهو لماع إثر ثاقب
لأوشك دمعي أن تجف شؤونه ... على كل ماض ليس يوماً بآئب
إذا ما انتهينا من رثاء لذاهب ... بدأنا رثاء بعد ذاك لذاهب
أما يسترح الشعر في كل ساعة ... ورثاء لحر، أو رثاء لصاحب
وقد كان الأسمر صديقاً للزين، فهل استباح السطو على شعر صديقه الراحل بحق الصداقة؟ وهل هذا نوع جديد من الوفاء بين الشعراء؟ أو هو مذهب جديد في الأدب يقضي بإرث الصديق فيما قاله من الشعر. . .؟ أو حسب الأسمر أن الزين قد قضى وانطوى شعره، وأن أحداً لن يراه وهو يتسلل إلى مراثيه يستمد منها ما يجلجل به على المنابر؟ على أنني عجبت للأسمر وما هو بالعاجز عن النظم، أن يكون أخذه من شعر الزين هكذا ظاهرياً مكشوفاً. . دع عنك اتحاد الوزن والقافية، وانظر إلى الألفاظ والمعاني. اللهم إلا إذا قدرنا جهده الجبار في استبدال (يوم) ب (حين) والعدول عن (وقفة) إلى (دمعة) ثم تحويل (إثر ذاهب) إلى (خلف غائب) في البيت الأول مثلاً! وكأني به قد أمسك بكل بيت من أبيات الزين، فخنقه، فأخذ أجزاء منه ميتة فبنى بها بناء لا تسكنه روح، فقضاء حق الصاحب