في الاستعراض السريع الذي قمت به في أوائل الحديث عن (غزل العقاد) عرضت رأيه في (الحب) بالعدد ٢٦٦ من الرسالة؛ وقلت: إنه يراه (رفعة للنفس ونقلة إلى عالم النجوم، وأنه قدرة قادرة تهب أصحابها مشابه من الألوهة ومقابس من النبوة)
فمن كمال هذا الرأي أن أذكر اليوم أن من خصائص غزل العقاد، شعوره بأن الحب يطلقه من قيود الزمان والمكان وضرورات الفناء، ويمنحه دنيا خاصة طليقة من كل قيد معهود.
ولا يكون الشعور بالحب هكذا، حتى يكون صاحبه ذا نفس محقة، وذا طبيعة ناضجة، وذا إحساس مترف. فأما النفس المحقة فهي لازمة له ليتخلص من قيود الزمان والمكان والضرورات عامة؛ وأما الطبيعة الناضجة، فهي ضرورية له ليخلص من اللهفة والوله إلى التأمل والترفع، وأما الإحساس المترف، فليغني به عن المتع الرخيصة إلى الانتقاء والاختيار
وفي هذا المجال أذكر مقطوعتين: الأولى بعنوان (عهد بين عامين) يقول منها:
(سعاد) ويا حسن هذا النداء ... إذا ما وجدتك لي صاغية
نسيت التواريخ إلا التي ... تعود بذكرك لي رواية
فأنت الزمان وأنت المكان ... وأنت غنى النفس يا غانية