كانوا في فقر وعوز، يزجون أيامهم تزجيه على راتب الزوج الضئيل. ولقد رزقوا ولدين من زواجهم، أما فقرهم فقد كان من نوع البؤس المخبوء الخجل. بؤس عائلة نبيلة، تريد أن تتمسك بتقاليدها وتأخذ مكانها بين أنداد الأشراف مهما كلفها الأمر. لقد نشأ هكتور (دي كربيلين) في الريف تحت كنفأبمدرس ولم تكن الأسرة في رغد من العيش وإن كانت تحافظ على مظاهرها النعمة. فحين بلغ (هكتور) العشرين من عمره، سعت له أسرته فأدخلته موظفا في وزارة البحرية. براتب ١٥٠٠فرنك. فاصطدم الفتى بتلك الصخرة التي يصطدم بها كل من لم يعد في بكورة العمر لمعركة الحياة القاسية فهو يرى الوجود من خلال ضباب كثيف، ثم هو يجهل كل الجهل وسائل العيشة وأساليب المناضلة والمقاومة لأنه لم يتزود منذ حداثته بمؤهلات كفاحية لمجابهة مرارة الحياة وشظف العيش، إنما ألقى به إلى هذا الوجود، وليس في يده آله أو سلاح لمنازلة حوادثه.
لقد كانت سنوات (هكتور) الثلاث الأولى في دائرة عمله مدعاة للتوبيخ فلقد ألف من عائلته لفيفا من الأصدقاء قليلي المال مثله، كانوا يحيون أوساط النبلاء، أي في الشوارع الحزينة من ضاحية (سانت جرمان) فربط هكتور معهم حلقة تعارف وصداقة. باغترابهم عن الحياة العصرية كان هؤلاء الأرستقراطيون المعوزون، يقطنون في تواضع الطوابق المرتفعة من المنازل والمساكن الهادئة. ومن أعلى إلى أسفل هذه المنازل كانت ألقاب المستأجرين الضخمة تتردد على كل لسان، ولكن يظهر ان النقود، كانت هي البضاعة المفقودة عندهم من الطابق الأول حتى السادس.
أما أعذارهم لهذا السكن المتطرف، فهي خطورة مراكزهم وتقدم حقوق عائلتهم على بقية الناس، واهتمامهم بعدم التسفل أمام العامة. وقد كانوا في سمو المنزلة وعراقة الأصل. لقي هكتور (دي كريبلين) في هذا الوسط فتاة نبيلة فقيرة مثله، فعقد قرانه عليها، وفي خلال