لقد ظهر لنا من المباحث السابقة أن الطليان اعتبروا الحبشة مستعمرة طليانية، وحملوا الدول الأوربية على الاعتراف بذلك بعد نشرهم المعاهدة وذيولها، واستفادوا من حاجة البريطانيين إليهم فتقدموا إلى كاسيلا واستولوا قبل ذلك على عدوى
ومع أن منليك كان يتظاهر بعدائهم عند منحه امتياز السكة الحديدية للفرنسيين وإذابته العملة النقدية التي ضربها الطليان في بلادهم لم يتمكن الطليان من التضييق عليه لأنهم كانوا مكلفين بمساعدة البريطانيين في قتالهم المهدي، ولم يرض البريطانيون بان يترك الطليان جبهة السودان ويتقدموا بقواتهم على الأحباش
والحقيقة أن السياسة البريطانية من حيث أهدافها العامة لم ترغب البتة في توسع نفوذ الطليان في الحبشة وتوطيد كلمتهم فيها لأنها كانت ترمي إلى احتلال مصر والسودان والمحافظة عليهما بترك حراسة جبال الحبشة بيد أهل الأحباش
أما النجاشي منليك فكان يرمي إلى توحيد المملكة وتقويتها ثم إعلان استقلالها للعالم. ولا شك في أن رغبة الطليان في توطيد نفوذهم في الحبشة وسعي نجاشي الحبشة لاستقلال البلاد أديا حتما إلى الاختلاف بين إيطاليا والحبشة برغم المعاهدة وذيولها
وسترى كيف حدث هذا الاختلاف فأدى إلى الحرب بينهما. والحقيقة هي أن بريطانيا لم تكد تقض على حركة المهدي فتبقي إيطاليا حرة في العمل إلا وشرع الطليان بحشد قواتهم في مستعمرة أريترة للتوغل في بلاد الحبشة
ولما تأكد منليك من قدرة جيشه البالغ عدده زهاء ١٤٥٠٠٠ أعلن استقلال الحبشة إلى جميع الدول. ولمجاملة إيطاليا طلبت ألمانيا وفرنسا من النجاشي أن يرسل هذا البلاغ بواسطة إيطاليا
فبلغ منليك ملك إيطاليا أن المادة السابعة عشرة من معاهدة أوكسالي لا ترغمه على توسيط