للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[إنسان ناجح]

للأستاذ أحمد أمين

صخري الوجه، صلب الجبين، لم يعرف يوماً حمرة الخجل، ولا برقع الحياء، لا يتوقى شيئاً، ولا يبالي ما يقول

إن كان لكل الناس وجه ولون ولسان، فلهذا المخلوق أوجه وألسنة وألوان

هو صديقك وعدوك حسب الظروف الخارجية، لا حسب ما يصدر منك، وهو مادحك وذامك حسب ما يدور في المجلس، لا حسب رأيه، وهو عابس لك يوماً باسم يوماً حسب ما يقدر هو أنه في مصلحته، لا حسب ما تستحق أنت منه

له حاسة زائدة عن حواس الناس الخمس هي سر نجاحه، ولهذه الحاسة خصائص: فهو يدرك بها أي نوع من الوزارات ستتولى الحكم ليحول نفسه على وفقها، وليتهجم لأعدائها، ويتقرب من أحبابها؛ ويشم بها مواطن المال في كل ظرف، ويرى بها من يجلب له النفع، ويؤقلم وفق ذلك نفسه، فيتشكل بأشكال في منتهى الظرف والطلاوة، فإذا عدوه اللدود بالأمس صديقه الحميم اليوم

ويعرف بها - في مهارة عجيبة - موضع الضعف من كل إنسان يهمه، فأن كان يعبد النساء حدثه أعذب الحديث في النساء والجمال وحسن الشكل، وبدع المحاسن، وجمال الملامح، وأستعرض نساء الفرنج، وأية حوراء العينين، كحلاء الجفون، ساجية الطرف، فاترة اللحظ، وأية أسيلة الخد، ممشوقة القد، وأية بيضاء اللون، شقراء الشعر، زرقاء العين. وأية سوداء العين، سمراء اللون سوداء الشعر. وأية ممتلئة البدن؛ ضخمة الخلق، شبعى الوشاح، وأية دقيقة الشبح نحيلة الظل مرهفة الجسم، وتفنن في ذلك ما شاء أن يتفنن حتى يملك لبه، ويستعبد عقله، فإذا هو طوع بنانه ومستودع أسراره

وإن كان سكيراً حدثه الحديث الممتع في الشرب والشراب، والكؤوس والأكواب وآداب النديم، وروى له أحسن الشعر في الخمر وحدثه عما يمزج ومالا يمزج، وخير الخمور ومواردها وتواريخها وما يلذ صبوحا وما يلذ غبوقا - وتعرف ما يستحسنه صاحبه فأفرط في مدحه وادعى الإعجاب به، وأنه لا يفضل عليه غيره، وأن ذوقه من ذوقه وشرابه من شرابه ومزاجه من مزاجه، وأسكره من حديثه كما أسكره من كأسه، فإذا هما صديقان وثقت

<<  <  ج:
ص:  >  >>