الحج في إسلاميته الخالصة، ركن عبادي حين يتصل بالله في مناسكه وشعائره، وأقواله وأفعاله؛ وأساس اجتماعي حين يتجه بالمجموعة الإسلامية، في مؤتمره السنوي العام، إلى التنظيم والتعارف، والى توحيد القوى الفردية والجماعية، والتوجيه بها إلى شطر قبلة واحدة: عن صاحبها صدر الخلق ووجدت الحياة، واليه تتجه حياتنا كلها، بما فيها من نشاط واتجاه وأهداف.
وبهذه الصور الإسلامية للحج، تتحد وتتأصر، ضمن ما تتحدد به وتتأصر في الإسلام علاقة الفرد بالجماعة، وعلاقة الجماعة بالفرد وعلاقة كليهما بالله الذي منحهما الوجود والحياة. علاقة لا يختلف فيها باطن مع مظهر، ولا كيف مع مقدار، ومن أجل هذه العلاقات، تقوم دعائم الحج في الإسلام، منسقة منسجمة: في استعراض عام، حيث يشهد الله مالك الكون، وفي وحدة عامة تصل السماء بالأرض، والإنسانية بالكون، والعباد بالله:
والحجاز من وجهة النظر إليه، كرقعة تؤدي على اثر شعائر الحج، ما موقف الإسلام منه؟ أنه ميدان الاستعراض العام، وقاعة المؤتمر السنوي، ومحراب التوجه الوجداني ومدرسة التربية الاجتماعية. انه الأرض التي انبثق منها روح الإسلام الأول وبقيت على أرضه (الكعبة) قبله للإنسانية الراشدة، رمزية محسوسة بين العباد والرب، ومنارة معنوية للإسلام في الأرض. انه معسكر التدريب الذي يعود من رائدة، وفي قلبه حرارة وانفعال، وأمامه قلة من المشاعر والأحاسيس، بها يملك شحنات من التجاوب: على نهجها يسير، وعلى أضوائها يهتدي، في فيافي الحياة، المضللة المعقدة المختلطة المتشابكة حين يعود؛ أنه كل ذلك وأكثر منه! فكرة الإسلام عنه؟ لا: بل ما القواعد الكلية التي تركتها فكرة الإسلام، لتحدد طبيعة الحج، وترتكن عليها أهدافه؟ بل ما الوسائل التي تقر هذه الطبيعة، وتلك القواعد، وتحفز لها وجودها وكيانها، حيا منتجاً، محقق الأهداف، يلم الناس ويؤمنون بجدواه؟
تبدأ النظرة الإسلامية إلى الحج أول ما تبدأ، بتقرير القاعدة الكلية الأولى، في النقطة