لما رحل خسرو إلى بلاد الروم، ليطلب مساعدة الإمبراطور موريس على بهرام جوبين، ضاق في عيني شيرين ريف أرمينية على اتساع أرجائه، وكثرة ملاهيه، وتنوع ضروب التسلية فيه؛ فرجعت إلى عمتها مهين بانو، حزينة على فراق حبيبها، آسفة لقسوتها عليه، فنشطت عمتها في جلب السرور إلى قلبها، والترويح عن نفسها، وإحاطتها بما ينسيها أحزانها.
وكان خسرو قد نجح - بفضل مساعدة إمبراطور الروم - في استرداد عرش أجداده، وتوّج للمرة الثانية ملكا على إيران، وحكم بالعدل بين رعيته، فصار محبباً إليها. ولكنه لم يجد فيها يحيط بجلال الملك من مباهج الحياة، ما يخفف عنه لوعة الحزن والأسى، التي يشعر بها في قرارة نفسه لغياب شيرين.
وماتت مهين بانو، تلك العمة الطيبة القلب، فصارت شيرين ملكة أرمينية، ولكنها لم تستطع نسيان أحزانها، بل زادت كآبة لما علمت بزواج خسرو من مريم. وأرادت أن تجد العزاء والسلوى في الشعور بقرب حبيبها منها، فرحلت من أرمينية إلى (قصر شيرين) بين الهضاب المرتفعة في إيران، ومعها جمع كبير من صويحباتها وأتباعها، كان بينهم شابور الذي بقى في خدمتها بأمر من صديقه خسرو، يرعاها في وفاء وإخلاص. ولما وصلت إلى قصر شيرين أرسلت شابور إلى المدائن، بعد أن أوصته ألا يخبر خسرو عن وجودها في قصرها، مخافة أن تعكر عليه صفو حياته الزوجية. ولكن شابور لم يكترث لتحذيرها، وجاء إلى المدائن حيث وجد خسرو فرحاً مسروراً، لتلقيه أنباء مقتل القائد بهرام جوبين، فأخبره بوجود شيرين على مقربة، وزاده بذلك طرباً وحبوراً، ثم رجع إلى قصر شيرين.
وكان لقصر شيرين - بالرغم من كل ما فيه من الاستعدادات العظيمة ملكة أرمينية - نقيصة واحدة، وهي وجود المراعي والأغنام بعيداً عنه، في ناحية الجبل الأخرى، ولهذا