للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[شعر مهيار]

للأستاذ عبد الرحمن شكري

قال أبن خلكان في كتاب وفيات الأعيان (هو أبو الحسن مهيار بن مرزويه الكاتب الفارسي الديلمي الشاعر المشهور؛ وكان مجوسياً فأسلم. ويقال أن إسلامه كان على يد الشريف الرضي أبي الحسن محمد الموسوي وهو شيخه وعليه تخرج في نظم الشعر، وقد وازن كثيراً من قصائده). نعم أخذ مهيار عن الشريف الرضي وسلك مسلكه في فخامة اللفظ وقرب التشبيه والاستعارة ونغمة الوزن وتحكيم الوجدان والتباعد عن المعاني التي يمجها الذوق والوجدان إلا في القليل مثل قوله في الغزل:

غار المحبون من أبصار غيرهم ... ضَنّاً وغرت على لمياء من بصري

إذ أن هذا معنى غير مستقيم ولا يقبله الذوق وإن كان للشعراء مثله. ولا أذكر الآن هل للشريف مثله أم ليس له. ومن دلائل التكلف أحياناً في شعر مهيار أن له قصيدة في الرثاء بها يرثي أهل البيت رضي الله عنهم ومطلعها غزل وهو: (في الظباء الغادين أمس غزال) وجاء في غزلها ذكر الملال والدلال وما إلى ذلك. وهذه أقوال لا تستقيم مع الرثاء عموماً ورثاء أهل البيت خصوصاً. وعلى أي حال فإن أستاذه الشريف أكثر طبعاً؛ وإن كان الشريف أحياناً يقبل معاني الغزل المعتاد الشائع في عصره، ولكن نصيبه من عبث الحضارة أقل من نصيب مهيار، وأقل من نصيب غيره من شعراء الدولة العباسية. ومن أجل متابعة مهيار له سلم في أكثر شعره من هجنة الذوق الحضري العابث، ولكنه من أجل هذه المتابعة لم يُدخِلْ في العربية أثراً من الثقافة والنزعة الأدبية الفارسية. وكنا نأمل أن نجد لمهيار ابتكاراً بسبب جمعه بين الحضارتين الفارسية والعربية، ولكن طريقة الشريف كانت عربية بدوية أكثر منها حَضَرِيَّةً، فنزع مهيار هذا المنزع؛ ولم يكتف بذلك بل إنه بَرَّزَ في أبواب القول التي بَرَّزَ فيها الشريف مثل الغزل الوجداني الرقيق، والرثاء والإخوانيات والعتاب وشكوى الزمان وأهله؛ وبَرَّزَ أيضاً في المديح بحكم مهنته. وهو أحياناً يحتذي طريقة الشريف في المديح بوصف عادات البدو في معيشتهم فيقول:

ضربوا بمدرجة السبيل قبابهم ... يتقارعون بها على الضِيفان

ويقول:

<<  <  ج:
ص:  >  >>