خيانة اللغة العربية والآباء والأجداد والدهر والتاريخ
للأستاذ محمد بدر الدين الخطيب
أنا (ولا أنانية) والسائح العراقي الأستاذ يونس البحري الساعة في (صالون) فندق من أكبر فنادق بيروت، نقلب الطرف والسمع في الزمر التي نحتشد حولنا، ونتداول شتى الحديث ونود إلى (الرسالة) وافتتاحيتها المشرقة بما في نفس كاتبها الأستاذ الزيات وبما في نفوسنا نحن إخوانه من شعور صحيح يتصل بتيار الحمية ولا يتقطع ملحقا بسلك مذبذب ضعيف يتفرع إلينا من الغرب.
نحن في حماس وإشراق، والزمر التي رأيت تلغط حولنا بالفرنسية، وبالفرنسية فقط، لغطاً ضعيفاً أشبه بالنور الضئيل في المصباح الكهربائي الذي يستمد تياره من الفرع الضعيف الذي رأيت أيضاً
هذه فتاة ريانة يهفهف العطر والجمال والدلال في خطوها، تتحدث إلى أخرى بالفرنسية، وأزاءها أمها تتطلع إليها تطلع المأخوذ الذي لا يعي ما يقال.
ها هي ذي أمها تسائلها (بالعربية)
التفتت الفتاة في نزق وقد التهب وجهها بالحمق ولسانها بالنزق وصاحت بأمها:
أي! أي! هس! هس!
وعادت إلى الكلام بالفرنسية وفي نفسها أن أمها قد مسخت المدنية أو مسخت موقفها في المدنية والفرنسية في حديثها إليها بالعربية.
لم أكتم نفسي وتركت الغضب يمد عليها ويجعلني ألتفت إلى صاحبي (يونس) وأحدثه بما يشبه الصيحة عما أرى وأسمع.
وكان صاحبي مثلي في وجوم وألم مما يرى فلم يكتم نفسه وانبعث يصيح ويعلن أسفه (بالثلث)
وكان بجوارنا زمرة من الشباب وقع عليها ما نقول وقع العجب في غير رجب، فالتفتت بجملتها وتوجه أحدها إلينا يقول:
(الناس أحرار يتكلموا ما شاءوا أفرنسية ولا عربية ولا ألمانية حتى شوهاد يا إخوان).