للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[من الأدب الفرنسي]

هنرييت البائسة

للكاتب الفرنسي أندريه موروا

لشد ما كانت دهشتي عندما دعاني صديقي روبير بالتليفون إلى زيارته بمنزله، لقد جالت في نفسي خواطر كثيرة أثارت على حربا من الشكوك والريب. لقد كنت أشعر بحنان شديد وعطف خالص لزوجته هنرييت، وكان روبير حسن الذوق لطيف المعشر، يميل إلى المداعبة في شيء من المجون، وهو يعد عاشق من عشاق الخمر الذين يتهافتون على الكأس ولا يتركونها إلا إلى الكأس

ما عهدت في حياتي ولاء مثل ذلك الولاء الذي كانت هنرييت تتعهده به طوال خمسة عشر عاما لم تذق خلالها يوما واحدا من السعادة

لقد لقيته في اليوم نفيه وتصافحنا ثم جلست قبالته، وظل صامتا ثم حرك يده في هدوء، وأخرج علبة سجائره وتناول إحداها ثم أشعلها وأومأ إلي برأسه ثم قال:

- إن لي عندك حاجة فهل لك أن تقضيها. .؟ وعليك في الحالين أن تصدقني الوعد. . . إنني لن أسيئك في مادة، ولن أجهدك في عمل، وإنك تعلم أن هنرييت تحترمك وتأخذ بآرائك من غير تفكير، وحسبك هذا منها دليلا على ثقتها بك. إنك رجل قد خبرت الحياة ولا بستها وعرفت عنها كثيرا. . . وهنرييت عاقلة تفهم عنك ذلك بقدر ما أفهم أنا عنك. لقد عرفت بتجاربي الخاصة أنك رجل سديد الرأي، ولا يفوتن صواب قريحتك أن نصائح الزوج لا تلقي من الزوجة أذنا صاغية، ثم نفث من فمه نفثة غليظة من الدخان، ونظر إلي بعينين يفيض منهم الحنان والألم، وعقب قائلا

- فكر معي يا عزيزي - لقد قيضت لي الظروف عند عودتي من المؤتمر لقيا امرأة، أو لتقل فتاة، ولعت بها لساعتها، هي من أهل الشمال، وقد تبين لي ذلك من لهجتها وصوتها، وقد تعجب يا صديقي إن قلت لك إن هذه اللهجة وذلك الصوت الأبح، هما اللذان أسر لبي وملكا علي قلبي. . لقد بعثت في هذه الفتاة حياة جديدة. . أوه يا صديقي ما أشد قسوة الظروف وما أمرها! لا يكاد الإنسان منا يتناول الكأس إلى شفتيه الظامئتين حتى يعيدها مجبرا قبل أن ينال منها رشفة

<<  <  ج:
ص:  >  >>