واستمر في حديثه و (عصمت) ترتجف خلف الباب تأثرا، ولم تستطع كبح جماح عواطفها طويلا، فاقتحمت الباب عليهما صائحة:
كلا يا أبتاه. إن (عصمت) لن تتزوج، فهي لم تخلق للزواج؛ أنها دميمة، ولن يبحث الأزواج عن الدميمات، ارحمها يا أبتاه، ولا توقفها ذلك الموقف المؤلم، ودعها تحيا في ظلك ما قدر لها، إنني بائسة فلا تجعلني حائلا بين أختي وبين سعادتها ومستقبلها، وأجهشت باكية، فبكى أبواها رحمة بها وإشفاقا عليها
مرت الأيام ولم يجد الأبوان أمام إلحاح (عصمت) وإصرارها بدا من زواج (لمعان)، وقد اغتبطت عصمت لذلك اغتباطا شديدا، وكانت ترى في خدمة أختها وزوجها بعض السلوة
انقطعت زيارة الخواطب منذ تزوجت (لمعان). وناءت (عصمت) بعبء ما مر بها من خطوب، فأصبحت وهي في عقدها الثاني كأرملة في الثمانين، وقد زهدت الحياة وملتها حتى وضعت (لمعان) طفلا جميلا فاتخذته ولدا لها، ولم تكن لتتركه لحظة واحدة، جعلت له من صدرها مهدا، ومن عنايتها حارسا فشب على حبها، ووجدت لذلك برد الراحة، فحببت إليها الحياة، وكانت تعتقد أنها جوزيت على جميل صبرها خير الجزاء حينما تداعب الطفل فيطوقها بذراعيه الصغيرتين، ويغمر وجنتيها الجافتين اللتين لم يسعدهما الحظ لثما وتقبيلا وهو يقول: خالتاه. . . ما أحيلاك يا خالتاه. . .!