للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[نظرية النبوة عند الفارابي]

للدكتور إبراهيم بيومي مدكور

مدرس الفلسفة بكلية الآداب

تتمة

وبصرف النظر عن هذه الحملة الباطلة التي أثارتها عوامل الحقد والحسد والتي لم يكن لها أساس من الواقع والحقيقة في شيء، فأن الذي نحب أن نستخلصه من الأفكار السابقة هو أن السيد يلتقي مع الفارابي في نقطتين هامتين؛ فهو يوضح أولاً مهمة النبي الاجتماعية والسياسية، وهذه مسألة يعد الفارابي من أول من صوروها في الإسلام بصورة علمية نظرية، وربما تلخص كتابه (آراء أهل المدينة الفاضلة) في إدعاء فكرة النبوة على أساس من (جمهورية) أفلاطون وعلم النفس عند أرسطو. والسيد وهو مصلح ديني وسياسي لا بد له أن يحتذي هذه الخطى ويسير على هذا النهج. ومن جهة أخرى لا يفوتنا أن نشير إلى أن النبي والحكيم يقتربان عند هذين المفكرين إلى حد كبير، فهما روح الجمعية ومبعث الحياة والإصلاح. نعم إن السيد يفرق بينهما من ناحية الكسب والعصمة، في حين أن الفارابي لم يوضح القول في الأول وأغفل الثانية بتاتاً، وبدا كأنه يسوى بين النبي والفيلسوف من جميع الوجوه. ولكن يجدر بنا ألا ننسى أن الفارابي كان يصعد بالحكيم إلى مستوى هو العصمة بعينها ولا يمكن أن يتصور فيه الزلل، ولهذا لم يفرق بينه وبين النبي في هذه النقطة. وفوق هذا فأن السيد إذا كان قد جهر بهذه التفرقة فهو متأثر بعصره وبيئته والحملات التي وجهت من قبل إلى البحث العقلي، لأنه يعود إلى موضوع الحكمة بعد سبعة قرون قضاها المسلمون في مطاردة الفلسفة والفلاسفة. فلم يكن في مقدوره أن يدعو للفلسفة دعوة صريحة ولا أن يثبت لها حقاً في الحياة مكتملاً من كل نواحيه. وكيفما كانت الفوارق بينه وبين الفارابي فمما لا شك فيه أنه قرب المسافة بين النبي والحكيم، وعدهما معا مصدر تقويم وإصلاح؛ وهاتان الفكرتان فارابيتان في أصلهما سواء أكان السيد قد استمدهما مباشرة من كتب الفارابي أم بالواسطة من مصدر آخر. وقد ساهم السيد في نصرة الفلسفة والأخذ بيدها وساعد على إحياء دراستها في الشرق بعد أن كان الناس قد

<<  <  ج:
ص:  >  >>