لم تمض على تأسيس مدينة البصرة حقبة طويلة من الزمن حتى تسنى لها مناهضة مدينة الأبلة القديمة والتغلب عليها من جميع النواحي المدينة حين نسى الكتاب ذكر ما في تلك المدينة من أحوال الحضارة ومعالم العمران. كما حدث على تلك الشاكلة تغلب الكوفة على تلك الحضارة طيسفون والسيطرة عليها.
غدت البصرة ثغر العراق المزدهر، وميناءه المتطور الزاخر بصناعتها وزراعتها ونشاط تجارتها. وبضروب فعالياتها الفكرية. فقد أنجبت المشاهير من مشاهير الفكر الإسلامي، وقامت فيها المدارس العلمية والأدبية التي ضمت إليها هؤلاء المشاهير. نشأت فيها مدرسة النحو يوجهها الخليل بن أحمد، وظهرت فيها ألوان من الأدب تمثلت في كتابات أبن المقفع والجاحظ. وفي بيئة البصرة تثقف أبن الهيثم، وبشر واصل بن عطاء، وعمرو بن عبيد، والنظام بمذهب الاعتزال. وألف إخوان الصفا جمعيتهم الفلسفية وفي هذه البيئة أيضاً وضع أسس الصوفية كبار أعلامها مثل رابعة العدوية والحسن البصري وغيرهما من نبغوا في مجالات الفكر. ليست لدينا - ويا للأسف - وثائق تاريخية وصفية جمعها أنصار الحسن البصري وطلابه لنبين منها تفاصيل سيرة الرجل، سوى نتف من ملاحظات، أو شتيت من المذكرات دونها عنه أعوانه أمثال قتادة وأبن عون ويونس وأيوب، ومنتثرات من المعلومات تلقاها في كتب المحدثين مثل أبن سعد، وفي مصنفات المؤرخين والمفسرين كابن قتيبة والطبري، وفي كتابات المتكلمين كأبي عمرو الجاحظ وفي كتب المترجمين كأبي نعيم وغيرهما من المصنفات.
نشأته
ولد أبو سعيد الحسن بن يسار البصري بالمدينة عام ٥٢١ وكان أبوه يسار في الأصل من سكان مدينة ميسان قرب البصرة. وقد سبي خلال عام ١٢هـ إبان حملة خالد على العراق فنقل مع من نقل من ميسان إلى المدينة حاضرة العالم الإسلامي في ذلك الوقت، وغدا هناك