قالت لي صاحبةُ (الجمال البائس) فيما قالت: إن المرأةَ الجميلة تخاطب في الرجل الواحد ثلاثة: الرجلَ وشيطانه وحيوانه؛ فأما الشيطان فهو معنا وإن لم نكن معه. . . وأما الحيوان فله في أيدينا مقادةٌ من الغباوة، ومقادةٌ من الغريزة، إذا شمَسَ في واحدة أصحب في الأخرى وانقاد؛ ولكن المشكلة هي الرجل تكون فيه رجولة.
نعم إن المشكلة التي أعضلتْ على الفساد هي في الرجل القوي الرجولة يعرف حقيقةَ وجوده وشرفَ منزلته، ولهذا أوجب الإسلام على المسلم أن يكون بين الوقت والوقت في اليوم الواحد خارجاً من صلاة.
وإنما الرجولةُ في خلالٍ ثلاث: عمل الرجل على أن يكون في موضعه من الواجبات كلِّها قبل أن يكون في هواه؛ وقبوله ذلك الموضع بقبول العامل الواثق من أجره العظيم؛ والثالثة قدرته على العمل والقَبول إلى النهاية.
ولن تقوم هذه الخلال إلا بثلاثٍ أخرى: الإدراك الصحيح للغاية من هذه الحياة؛ وجعل ما يحبه الانسانُ وما يكرهه موافقاً لما أدرك من هذه الغاية؛ والثالثة القدرة على استخراج معاني السرور من معاني الألم فيما أحبّ وكره على السواء.
فالرجولة على ذلك هي إفراغ النفس في أسلوب قوي جزل من الحياة، مُتساوقٍ في نَمط الإجتماع، بليغ بمعاني الدين، مصقول بجمال الإنسانية، مسترسل ببلاغة وقوة وجمال إلى غايته السامية.
ولهذه الحكمة أسقطت الأديان من فضائلها مبدأ إرضاء النفس في هواها، فلا معاملة به مع الله إلا في إثم أو شر؛ وأسقطه الناس من قواعد معاملتهم بعضهم مع بعض، فلا يقوم به إلا الغش والمكرُ والخديعة، وكلُّ خارج على شريعة أو فضيلة أو منفعة اجتماعية، فإنما ينزع إلى إرضاء لنفسه وإيثاراً لها وموافقة لمحبتها وتوفيةً لحظها؛ وعمله هذا هو الذي يلبسه الوصفَ الإجتماعي الساقط ويسميه باسمه في اللغة، كالرجل الذي يرضي نفسه أن يسرق ليغتني، فإذا أعطى لرضاه فهو اللص، وكالتاجر في إرضاء طمعه هو الغاش، وكالجندي في إرضاء جبنه هو الخائن، وكالشاب في إرضاء رذيلته هو الفاسق، وهلمّ جراً وهلم