للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[حول (الوضوح والغموض)]

للأستاذ عباس فضلي خماس

روى لنا الدكتور طه حسين في مقالة (حول قصيدة) حادثة طريفة عن قصيد المقبرة البحرية للشاعر الفرنسي بول فاليري، وكان غرضه من استعراض ما دار بين أدباء فرنسة وشعرائها بعد ذيوع هذه القصيدة أن يطرق باب بحث طالما اشتاق الأدباء إلى طرقه وهو (مقياس فهم الشعر والأدب). وكان بحث الدكتور حائما حول هدف أساسي وهو (هل يحسن بالشعر أن يكون واضحا لا خلاف فيه، أو إن بعض الغموض فيه مغتفر بل مطلوب؟ وهذا المطلب في نظري جدير بالبحث والتمحيص إلى حد بعيد، ولعل المضي في استقصائه يؤدي إلى إظهار حقائق جديدة في عالم الأدب، تقلب أوضاعنا الراهنة رأسا على عقب، ويلوح لي أن التوسع في بحث هذا الموضوع بحثا مستفيضا دقيقا ربما انزل بعض أمراء الشعر وملوك البيان الذين اعتلوا في أذهان الناس العروش إلى الحضيض، وربما رفع بعض خاملي الذكر من الشعراء والأدباء إلى تلك العروش وقدم إليهم معتذرا صولجان الشعر والأدب الذي شاءت الأقدار أن يغتصب منهم اغتصابا.

لقد كتب علينا نحن أبناء هذا الجيل أن ندرس الأدب درسا آليا كدرس

المعادلات الرياضية والرموز الكيمياوية. وقد ترتب على طرز دراستنا

هذه أن نكون آليين في نظرنا إلى الشعر، آليين حتى في فهمنا إياه، بل

وفي طريقة تفهمنا. وهذه النتيجة خلقت فينا نزعة التقليد لا في مزاولة

الشعر والأدب فحسب بل في طريقة تفكيرنا وفي أساليب محاولتنا فهم

أغراضه ومراميه. مبتعدين في ذلك عن السنن الطبيعية الابتعاد كله.

فليسمح لي الأستاذ الكبير بشيء من الحرية فيما أعرض له.

الغموض في الشعر والأدب

للغموض في الشعر والأدب أسباب معينة واضحة؛ أولها ضعف الأسلوب في التعبير عن الشعور، وثانيها غرابة التعبير وعدم انطباقه على الطريقة المألوفة عند جمهور القراء.

<<  <  ج:
ص:  >  >>