للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[من الفن القصصي الحديث]

المشعوذ

للقصصي الألماني أريش كستنر

ترجمة علي كامل

في ليلة من ليالي الصيف الماضي شوهد على شرفة مقهى (مجلس الوصاية) الواقع على رصيف مون بلان بجنيف منظر كان حقاً غير عادي، إذ قبل أن ينتصف الليل بقليل كان المقهى يفيض بالزبائن الوجهاء الذين كانوا يشربون قبل أن يذهبوا للنوم مختلف المشروبات المثلجة. فقد كان الجو ثقيلاً، ثقيلاً لدرجة أن رياح البحيرة لم تستطيع إحداث أقل إنعاش أو تخفيف.

وكان الأغنياء البرجوازيون من أهل جنيف يوقفون عرباتهم أمام الفندق ثم يبحثون بعد أن ينزلوا منها عن مكان وسط ذلك الجمع المختلف الأجناس المحتشد في ذلك المكان.

وكان فريق الأوركسترا يعزف في الهواء الطلق بضع مقطوعات من أوبرات شهيرة، وكان كل الجالسين يشعرون بأنه يحيط بهم جو على أتم ما يرام: فجوازات السفر تامة من كل الوجوه، والحقائب مهيأة للغاية، وأربطة الرقبة متفقة مع (البدل)، والقهوة المثلجة في درجة الحرارة التي يرغبونها، وأمواج الأوبرات التي يعزفونها جيداً تفتن جميع الآذان.

وفي هذا الجو المفعم بالنعيم والفخامة برز مرة واحدة وسط الشارع أحد حمالي البواخر، وكان أشبه ما يكون بمصارع، وكان جسمه كله برنزي اللون من أثر الشمس. وبدل القميص كلن يلبس (مايوه) بنفسجياً وحول فخذيه بنطلون أحمر متسخ. وكان يلّوح بيديه بكوبه من الجعة نصفها فارغ. محيياً - وهو يضحك - الجالسين في المقهى الذين لم يكن من السهل لعينيه أن تراهم جميعاً. ولقد كان يبدو من منظره أن الشراب قد أسكره قليلاً. وكانت ابتسامته تبدو غريبة، وبعد أن عبر شرفة المقهى عاد أدراجه وبدا على وجهه كأنه يريد أن يشرب في صحة الحاضرين. ثم أفرغ ببطء ما تحتويه كوبته ولم يظهر على من بالمقهى أنهم وجدوا في هذا المنظر تسلية كبيرة جداً، وأفرغ الرجل ما تبقى من الجعة على

<<  <  ج:
ص:  >  >>