ذكرتني مقالة الأديب البحاثة الأستاذ مصطفى جواد البغدادي (الأدباء المحترفون) وما رواه فيها من سيرة (الخبز أرزي) وشعره بإخوان له في الأدب والحرفة، فرأيت أن أملي بعض طرائقهم مضافاً إلى تلك المقالة البغدادية في (الرسالة الغراء):
قال علي بن ظافر: كان الوزير أبو بكر بن عمار كثير التطلب لما يصدر عن أرباب المهن من الأدب الحسن فبلغه خبر (ابن جامع الصباغ) فمر على حانوته وهو آخذ في صناعة صباغته، والنيل قد جر على يديه ذيلا، وأعاد نهارهما ليلا، فأراد أن يعلم سرعة خاطره، فأخرج زنده ويده بيضاء من غير سوء وأشار إلى يده وقال: كم بين زند وزند؟
فقال ابن جابر:
ما بين وصل وصد
فعجب من حسن ارتجاله. ودخل ابن عمار هذا سرقسطة فبلغه خبر يحيى القصاب السرقسطي، فمر عليه ولحم خرفانه بين يديه، فأشار ابن عمار إلى اللحم وقال:
لحم سباط الخرفان مهزول
فقال يحيى:
يقول للمفلسين: مه، زولوا
وكان يحيى السرقسطي ترك مهنته مدة ثم عاد إليها فكتب إليه الوزير أبو الفضل بن حسداي:
تَركت الشعر من عدم الأصابِهِ ... وملت إلى الجزارة والقصابه
فأجابه يحيى:
تعيب عليّ مألوف القصابه ... ومن لم يدر قدر الشيء عابه
ولو أحكمت منها بعض فن ... لما استبدلت منها ذي الحجابه
وإنك لو طلعت عليّ يوماً ... وحولي من بني كلب عصابه
لهالك ما رأيت وقلت هذا ... هزبر صيّر الأوضام غابه
فتكنا في بني العتري فتكا ... أقر الذعر فيهم والمهابه
ولم نقلع عن الثوريّ حتى ... مزجنا بالدم القاني لعابه