يظنُّ الكثير أن العرب في الجاهلية كانوا بدوا لم تكن لهم حضارة ولم يُؤسسوا الدول والممالك، ولم يُقيموا الشرائع والأنظمة. ولكنا إذا درسنا تاريخ اليمن فقط، نجد الأمر بخلاف ذلك، لأن العرب في اليمن كانوا أصحاب دول منظمة، حكومتها بيد ملوك يتمتعون بالسلطة المطلقة. لهم جيوش للتعمير وليست للتخريب. يجمعون الرجال لبناء المدن والقصور، وإنشاء السدود، وحكومتهم وراثية لها نقود رسمية مزينة بالنقوش والصور كرأس الثور رمز الزراعة أو صور الهلال أو البقر، وعلى نقودهم كتابة عربية بالخط المسند.
واليمن من أقدم الأقطار التي نشأت فيها حضارة، فلو قام علماء العاديات بالحفر في أنحاء اليمن لأطلعوا العلم على آثار تلك الحضارة. وحضارة اليمن العربية القديمة بادية في بناء أسداد الري، وتشييد القصور، وتأسيس القصبات والمدن؛ ففي اليمن حضارة عربية قديمة، وخزانة الأقوام العربية المتدفقة.
وكان اليمانيون طبقات، منهم الجنود والفلاحون والصناع والتجار؛ غير أن التجارة غلبت على البلاد لوقوعها على الطرق. وقد اشتغلوا بالزراعة لخصب تربة البلاد؛ واشتهرت اليمن بمعادنها من الذهب والفضة والحجارة الكريمة. وهذا ما زاد في ثروة البلاد، فأصبح أهلها أغنياء. بنو القصور العالية، وشيدوا المدن الكبيرة، والقلاع العظيمة. . . وأشهر قُصورها قصر غُمدان في مدينة صنعاء. ذكر الهمداني وياقوت أن بانيه اليشرح يحصب؛ فإذا صحَّ قولهما كان بناؤه في القرن الأول للميلاد، وظل باقياً إلى أيام عثمان بن عفان في أوائل القرن الأول للهجرة فيكون قد عاش نحو (٦٢٠) سنة.
وقد شاهد الهمداني بقاياه تلاً عظيماً كالجبل؛ وقال في وصفه أنه كان عشرين سقفاً غرفاً بعضها فوق بعض أي عشرين طبقة مثل أبنية العالم المتمدن وأعلاها. بين كل سقفين عشرة أذرع
وفي الإكليل أن محمد بن خالد رفع حديثاً إلى وهب، فقال: لما بني غُمدان صاحب غمدان،