يا شباب الوادي! خذوا معاني العظمة في نسقها الأعلى من
سيرة هذا العصامي العظيم
ما كانت الفاقة لتعوق ابن الأحراج عما كانت تتوق نفسه إليه. وهيهات أن تركن النفس الكبيرة إلى دعة أو ترضى بمسكنة. هاهو ذا فتى الغابة يهدف للثامنة عشرة، لا يذكر أنه منذ قوى على حمل الفأس كان كلا على أحد. بنى نفسه كأحسن ما تبنى النفوس، غذاء جسده من قوة ساعده، وغذاء روحه من توقد ذهنه ودأبه وجلده وبعد همته
كان ابراهام عصامياً في أوسع وأدق معنى لتلك الكلمة؛ عال نفسه وربى نفسه وعلم نفسه. وكان على استغنائه عن الناس يخفض جناحه للبعداء والأقربين. ولله ما أجمل تلك النفس في تواضعها ودماثتها، وما أجمل ذلك التواضع من فتى لا يرى لامرئ عليه يدا؛ وهو لولا كرم عنصره ونقاء جوهره جدير أن يدل بذلك وأن يزهى؛ وما الإنسان؟ أو ليس هو يطغى أن رآه استغنى؟
استغنى ابراهام بجده وقناعته في مطالب معيشته عن الناس، ولكنه أحسن معاشرة الناس وأنسوا منه لين الجانب وعذوبة الروح وهدوء الطبع وشدة الحياء. على أن ما زادهم محبة له وإقبالاً عليه حلاوة حديثه وحصافة رأيه وأصالته، وكان قد أحب منذ أن أعجب بذلك المحامي المدل أن يتحدث إلى الناس ما واتته فرصة إلى ذلك، وهو بطبعه بارع السياق قوي الحجة تمتاز كلماته - وإن لم يقصد - بقرب المأخذ وبعد المرمى، وهي صفة سيدرك فائدتها في مستقبل أيامه
ساقت إليه الأقدار وهو في التاسعة عشرة عملاً خرج به من الغابة أياماً إلى دنيا الحضارة!