للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[مسابقة الفلسفة لطلاب السنة التوجيهية: (٣، ٤، ٥)]

الحرية

للأستاذ كمال دسوقي

٣ - الحرية بوجه عام:

بيناً فيما مضى طبيعة الصراع بين الرعايا المحكومين والسلطات الحاكمة، وقلنا إن الأمر هنا يتعلق بتعارض المنافع الفردية والحرية الشخصية من ناحية، والحكام بوصفهم ممثلي المجتمع المعبرين عن رغباته، والقائمين على تحقيق المنافع العامة بالحد من الحرية الفردية من ناحية أخرى. وقلنا كذلك إن الشعوب لم تفتأ تحاول الحد من سلطان الحاكم عليها، بأن تحمله على أن يقطع على نفسه عهوداً ومواثيق حيناً، وبأن تشترط موافقة الأمة ممثلة في هيئاتها حيناً آخر، لتضمن في الحالين عدم استبداد الحاكم واضطهاد الرعية.

وكلما زاد فهم المحكومين لطبيعة الحاكم بوصفه ممثل إرادتهم، قلت مسافة الخلف بينهما، لتتحد إرادتهما، ورأى المحكومين بالتالي أن يفوضوا إلى الحكام أمرهم، ويركزوا في أشخاصهم سلطتهم - ثم يحّاسبوهم أو يعزلوهم إن لم يكونوا لذلك أهلا، ولكن هذا الحكم الذاتي - حكم الشعب نفسه لا يلبث أن يتكشف عن مجرد إرادة الأغلبية، ويبدو هذا الاستبداد من الأكثرية - ولو أنه الديمقراطية حقاً - إجحافاً بحرية الأقلية أصحاب المصالح أيضاً التي لا تتفق معها في الرأي، ويصبح طغيان الأكثرية هذا خطراً دونه خطر استبداد الحكام وموظفيهم، لأنه يصدر عن الشعور العام والاتجاه السائد لغالبية المجتمع فثمت خطران يهددان حرية الفرد: الاستبداد السياسي من الحكام، وطغيان أكثرية المجتمع. التوفيق بينهما مستحيل، كما أن تعيين قواعد السلوك التي يتحتم علينا اتباعها بقوة القانون أو المجتمع حتى لا تتعارض الحريات هي مشكلة المشاكل. لا يتفق في تحديدها جيلان متعاقبان، أو شعبان في جيل واحد.

وآفة هذا كله أن الناس يسلكون وفق أهوائهم غير المعقولة، وقد يعززونها بأهواء غيرهم لتتخذ صورة إجماعية مقبولة، بالإجماع لا بالمنطق، وإن كان مصدرها في واقع الأمر وهما أو عاطفة، أو خرافة أو هوى، أو خوفا وحسدا، أو كبرا وبغضاء، أو أنانية ونفاقا، أو

<<  <  ج:
ص:  >  >>