فتى مات بين الضرب والطعن ميتة ... تقوم مقام النصر إن فاته النصر
وما مات حتى مات مضرب سيفه ... من الضرب واعتلت عليه القنا السمر
وقد كان فوت الموت سهلا فرده ... إليه الحفاظ المر والخلق الوعر
لئن كان ابن الوليد بجهاده في الله قد سمي قاهر القياصرة، ولئن كان سعد بما رابط وصابر في أرض الفرس يوم التقى الجمعان قد استحق لقب مذل الأكاسرة، فإن البطل المجاهد عقبة ابن نافع الفهري قد كسب لنفسه تحت راية الإسلام مرتبة لن تنزل به فيما أرى عن مرتبة ذينك البطلين. فهو فاتح أفريقية، أمير المغرب، قاهر البيزنطيين والبربر
حارب خالد قوماً هدهم الغرور والترف، كانوا قبل لقاء المسلمين بأسهم بينهم شديد؛ فلم يكونوا حين ساقوا جموعهم يدافعون عن عقيدة أو يذودون عن مبدأ، بل لقد كانوا يقفون في وجه عقيدة منبعثة من الصحراء، الموت في سبيلها أحب إلى أصحابها من الحياة. وكان المسلمون تحت راية خالد وأبي عبيدة يقتلون ويُقتلون وقد باعوا أنفسهم وأموالهم من الله بأن لهم الجنة؛ كلمتهم كلمة أميرهم، ووجهتهم وجهة خليفة رسول الله فيهم، فلا تنازع بينهم ولا تنابذ ولا إحن ولا انقسام. . .
وكذلك كان المسلمون في القادسية كالبنيان المرصوص، لم يعرف الخلف سبيلاً إلى صفوفهم، ولا وجد الوهن طريقاً إلى قلوبهم، يسقطون عشرات ومئين ولا تسقط الراية؛ ويشترون الآخرة بالأولى في إيمان ويقين، وغاية المجاهد منهم أن يغلب أو يدفع عن نفسه الهزيمة بالموت!
أما عقبة فقد جاء دوره بعد أحقاد وأحداث فرّقت كلمة المسلمين وجعلتهم شيعاً وكادت تأتي على بنيانهم من القواعد. جاء دور عقبة في الجهاد بعدما كان في الإسلام من قتل عثمان، وبعدما كان من أمر الجمل والصفين. جاء دوره بعد أن عرف الإسلام الخوارج وغيرهم من الأحزاب، وبعد أن عرف المسلمون طريقة أخرى في الغنائم والأسلاب. . .
وكان عقبة يحارب الروم والبربر؛ وكان البربر أولي بأس وعناد. جبلوا الحرية فلا يكادون